مع مضي الأيام وتسابق الساعات في ختام شهر رمضان المبارك نجد أن العلاقة تزداد قوة بين الإنسان المسلم وربه، وينطلق في المحافظة على شعائره، واجتناب نواهيه، والسعي إلى عبادته وطلب مغفرته خوفا من عقابه، وطمعا في رضاه وبلوغ جنته، ويبدأ الإنسان المسلم في مراجعة مواقفه تجاه ماقدمه في حياته من أعمال صالحة، وما اقترفه من ذنوب، منطلقا في ذلك من مفهوم العبادة لله تعالى التي هي كمال طاعته، التي هي اسم جامع لكل مايحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال، والأفكار والمشاعر والعواطف في جميع الميادين الفكرية والعلمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، هذه العبادة التي تعد العلة الرئيسية للخلق والإيجاد، قال تعالى: (وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ذلك الخلق الذي لايقتصر على الإيجاد فقط وإنما يشتمل أيضاً على التكوين والتصميم للقيام بالوظائف والممارسات التي توجه إليها العبادة بمظاهرها الدينية والاجتماعية والكونية عبر أطوار الوجود الثلاثة: طور النشأة والحياة والمصير، وقد جاء بالدعوة للعبادة جميع رسل الله عليهم السلام قال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله).كما قال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون).فقد جاء بها نوح عليه السلام، قال تعالى: (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله)، وجاء بها إبراهيم عليه السلام، قال تعالى: (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه) وهكذا هود وصالح وشعيب عليهم السلام، وجاء بها المسيح عليه السلام قال تعالى:(وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم) وبها جاء خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة قال تعالى: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم). إذاً فالعبادة تعد منطلق ومصدر الخير لكل الرسالات الإلهية كونها تلبي مجموعة من الحاجات الإنسانية الأساسية والفرعية فهي تلبي الحاجة إلى الخلود في نفس الإنسان التي أُتي منها آدم عليه السلام من قبل إبليس حين بدأه القول: هل أدلك على شجرة الخلد وملك لايبلى. يقول الدكتور ماجد الكيلاني في ذلك: «الإنسان يعمل على تلبية هذه الحاجة بوسائل عديدة منها: محاولة إطالة عمره بالرعاية الغذائية والصحية، والمحافظة على النسل والذرية، إلى أن تبدأ فيه مظاهر الشيخوخة فيأتي من الأفعال وتغيير الأشكال مايوهمه بأنه ما زال يملك مؤهلات الحياة بعيدا عن نهاية الفناء، ولكن تبقى علاقة العبادة هي الوسيلة الوحيدة التي تلبي حاجة الإنسان في الخلود. فهي التي تهون له مظاهر الموت وتنزع عنه هالات الاضطراب وتقدمها كحلقة في سلسلة التطور الإنساني المفضي إلى الخلود والكمال في عالم الآخرة القادم بمافيه من النعيم والحياة السعيدة الخالدة. كذلك العبادة تقدم حاجة الحب والاحترام بين الإنسان المسلم ومجتمعه في دوائر أوسع ومحاور أوسع تشمل المظاهر الفكرية والنفسية والمادية التي تتمثل في أشكال عديدة من الإخوة الإيمانية والمودة الاجتماعية والتراحم الإنساني، وحاجة الانتماء التي تجعله إلى الله وحده، فتتوحد محاور الولاء عند الإنسان المسلم في محور واحد، وتمتزج دوائر الانتماء في دائرة واحدة، الأمر الذي يفرز الوئام والسلام والمحبة في حياة الإنسان فيتخطى الحياة الفردية، ويسعى للتعايش مع مجتمعه، والتغلب على عزلته.