تحدّث أدونيس في «الثابت والمتحول» عن التباسات القطيعة الثقافية بين التراث وبين شكل المنتج المعاصر. وكان واضحاً حين أشار إلى أن الحداثة هي امتداد عميق للتراث، لا تسعى لتشكيل مفارقة بين الخطابين، بقدر ما تبحث عن تحديد ملامح هذه القطيعة دون الوقوع في التباس ثقافي آخر. كنت أتصفّح «غريق المرايا» الرواية الصادرة حديثاً للأردني إلياس فركوح، ووقعت عيناي في مقدمتها على مختارات جاءت على شكل إشارات افتتاحية لكل من «يزيد بن طلحة العبدي، وإميل سيوران، واسبينوزا، وأنطنيو بوركيا» فتذكرت فوراً قطيعة أدونيس (الحداثية) بين التراث الحقيقي والتراث المتخيّل في قالب شعري جديد! فعلى ما يبدو أن فركوح التبس عليه الأمر فلم يفرق بينهما! إذ لا يوجد في تراثنا العربي الممتد شاعر يحمل اسم يزيد بن طلحة العبدي! فمن أين جاء به وبشعره؟ العبدي شاعر متخيّل ابتكره الروائي السعودي مظاهر اللّاجامي في مسرحيته «بعضٌ ممّا قاله اللّيل: حواريّة بين يزيد بن طلحة العبدي وامرئ القيس الكندي» تمثّل اللّاجامي فيه نفسه بروح ربيعيّة نزارية، واستنطقه بشاعرية مقنعة يستسلم لها كل من يقرأها، وكأنه أمام شاعر جاهلي في مسرحية جعل اللّاجامي فيها الحقيقي مقابلاً للخيالي وسط حواريّة تبحث عن الوطن المُشتهى من خلال المرأة/الحبيبة في فضاء متخيّل يتّكئ على الحقيقة. إلياس فركوح ليس أول الواقعين في هذه القطيعة (الالتباسيّة) -ولن يكون الأخير- لكني أتساءل: هل كان سيلوّح فركوح ببيت شعري ليزيد من طلحة العبدي في افتتاحية روايته لو علم أنه في الحقيقة لأديب سعودي معاصر من جيل الألفين؟! ربّما!