يبدو أن لدينا شيئا من عدم وضوح الصورة فيما يتعلق بالفرح والضحك. فعندما يجتمع عامة الناس ساعة ما فيضحكون ويلعبون، تجد أن أحدهم يعترض قائلاً: ( كفانا الله شر هذا الضحك) وكأن الضحك لا بد سيؤدي لعاقبة وخيمة أو كارثة توشك أن تحل بذلك المجلس. هل في القرآن الكريم ما يدل على أن الضحك والفرح مذمومان أو مؤذنان بِشرّ؟ ورد ذكر الفرح في القرآن الكريم 22 مرةً. ومن هذه الآيات ما يجعلُ انقباض الناس عن الفرح مبرراً مثل ( حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة ) 44 الأنعام ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف ) 22 يونس ( إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ) 76 القصص. لعل هذه الآية هي الأقوى في الشهود للمعنى، إذ جرى فيها التنصيص على أن الله لا يحب الفرحين بينما كانت الآيات السابقة محتملة لمعانٍ عدة على ما فيها من وعيد، إلا أن المخاطب هنا هو قارون الذي بلغ به الزهو والكبر والعجب بما بيده من المال والثروة، فحذره قومه من فرح الزهو بالمال وفرح الانخداع بالحياة الدنيا مما ينسي الإنسان ربه وعهده والدار الآخرة. (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ) 188 آل عمران، هذه وردت في المنافقين الذين كانوا يقولون إذا خرجت لنخرجن معك، فإذا خرج رجعوا وتركوه وفرحوا بما فعلوا واعتبروها حيلة احتالوا بها، فاستحقوا الوعيد بالعذاب. ( كل حزب بما لديهم فرحون ) 32 الروم، هذه في المشركين الذين تفرقوا شيعاً. ( ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور ) 10 هود، وجه ملامته هنا أنه نسي عبادة الشكر.( وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها ) 120 آل عمران هذه في المنافقين. قد تعلمنا من علم الأصول أن النص الخاص يخصص النص العام، والنص المقيد يقيد النص المطلق، ولو أننا تتبعنا كل آيات الفرح في القرآن سنلاحظ آية تمثل حالة توسط و تقييد وتوضيح وهي آية ( ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق ) 75 غافر، فهذه الآية قد أوضحت أن الفرح المذموم هو ما يكون بغير الحق مثل فرح الكفار بلحاق الضرر بالمؤمنين، مما يعني أن الفرح بالحق يكون محموداً، وهذا واضح في مثل ( لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله )4 الروم ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) 58 يونس ( فرحين بما آتاهم الله من فضله ) 170 آل عمران وهذه الآية الأخيرة احتوت شيئاً جديداً، ألا وهو الأمر بالفرح ( فليفرحوا ). أما الضحك فالأمر فيه أسهل من الفرح لأنه لم يرد من النصوص ما ينهى عن الضحك كما ورد في الفرح وقد ورد ذكر الضحك في القرآن عشر مرات (وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) 71 سورة هود. على خلاف بين المفسرين في معنى الضحك هنا. ( فاتخذتموهم سخرياً حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون) 110 المؤمنون ( أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون ) 60 النجم ( فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون ) 82 التوبة ( فلما جاءهم بآيتنا إذا هم منها يضحكون) 47 الزخرف ( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ) 29 المطففين ( فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ) 34 المطففين ( وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا ) 43 النجم ( فتبسم ضاحكا من قولها ) 19 النمل ( وجوه يومئذٍ مسفرة ضاحكة مستبشرة ) 39 عبس. بعد العودة للسياق والسباق اللذان ورد فيهما الضحك والفرح في القرآن الكريم نجد أن النصوص لا تتحدث عن المؤمنين، بل تذم ضحك وسخرية الكافر من المؤمن واغتراره بماله وكذبه وخداعه وكفره، أما ضحك وفرح المؤمن فمأمور به ومحمود. بل إن الضحك من أسباب سعادة الإنسان ونجاحه في حياته. فالضحك والفرح يملآن الإنسان بالطاقة ويجعلانه أقرب للفاعلية والتأثير وتحقيق الأحلام. كل عام وأنتم بخير.