في الواقع يفرح الجميع، الكبار والصغار بالعيد، ولكن مظاهر بهجته تبدو على الأطفال أوضح وأقوى، كما في اشتداد الألوان مع صفاء الطبيعة، ولأن الأطفال هم أكثر الناس شفافية وصراحة وصدقا وبراءة، فقد ظهر العيد عليهم بأوضح تعبير. هكذا تبدو السماء أشد زرقة في العيد والهواء عليلا، والطبيعة ضاحكة والعائلات تتزاور، والجو الاجتماعي يتغير في جملته إلى التصالح والتحابب. ولعل أهم مظهر في العيد أنه تظاهرة اجتماعية. أذكر جيدا كيف كنت أشعر بجو الوحشة والغربة في ألمانيا مع أعياد الميلاد. وبعد عشر أو تسع سنوات ونحن نعيش بين ظهرانيهم، أعترف للقارئ أن شعور أعيادنا بهتت مع كل حرصنا على إحيائها، لأننا كنا جزيرة صغيرة في بحر طامٍ، وبدأت أعياد الميلاد تأخذ متسعا، فليس للمرء الذي يعيش بين قوم إلا أن يتأثر بمظاهر فرحهم وحزنهم الجماعيّ. وكما تتغير الحياة في رمضان عندنا فإن شهر «ديسمبر» عندهم ينقلب كذلك، وكنا في المستشفيات نحرص على إرسال المرضى إلى بيوتهم ما أمكن حتى يشترك الجميع في هذه التظاهرة الاجتماعية. وكما كان عندنا عيد الفطر وعيد الأضحى، الرمزان العميقان، لانتهاء موسم الصوم والاحتفال بتوقف التضحية بالإنسان والتعويض عن ذلك بالحيوان. أنا شخصيا أذكر العيد جيدا منذ طفولتي فقد دارت أيامه بين الشتاء والصيف، فالعام الهجري أقصر من الميلادي ب 11 يوما، ومنه ذكر القرآن هذا التباين في سورة الكهف عن رحلة البيات لأولئك الفتية الرائعين، »ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا». هنا السؤال كيف يزداد الزمن. تفسيره أن القرن الهجري أقل بثلاث سنوات من الميلادي ولأنهم ذهبوا في رحلتهم عبر القرون ثلاثة، فقد زاد الرقم في السنة الهجرية تسعة أعوام. وهذه الرحلة العجيبة يرويها القرآن من بطن التاريخ، ولا أحد يستطيع يسأل مَن كانوا؟ وفي أي عصر وفي زمن أي ملك أو إمبراطور عاشوا ثم ماتوا؟ ثم لماذا قرروا الهرب بأنفسهم ومعهم الكلب؟ فضنوا بحياة الرغد إلى حياة الكهف بردا وقسوة. حدث كونيّ هائل يفيد الرمزية العميقة للأشياء، كما هو العيد بتلك الرمزية العميقة عند كلّ أمة تحتفل وبمَ تحتفل؟ أظن أن أبناء الثورة السورية هذه الأيام إذا ربحوا جولتهم ضد الطاغية سيحتفلون في عيد من أعظم أعياد انتصار الأمة عبر التاريخ على الطغيان. حين نزلت آية «اليوم أكملت لكم دينكم» في سورة المائدة أقسم اليهود لو أنهم أتحفوا بمثل هذه الآية لجعلوا ذلك اليوم عيدا. الناس تحتفل بأعياد شتى مثل، عيد الأمهات, وعيد العمال العالمي في أول مايو، وعيد الاستقلال أو العيد الوطني، لكن شرع الإسلام عيدين عظيمين لمعنى رمزي عميق، خاصة عيد الأضحى الذي يذكر بالمعنى السلامي الذي دشنه إبراهيم عليه السلام بالتوقف عن التضحية بالإنسان. أحداث سوريا الحالية ترينا المنظر الفج للتضحية بالإنسان. وهناك من يفرح بالدم. أنا لست فرحا، ويجب أن ننتبه إلى أن فتح بوابات الدم لا تغلق بسهولة.