من أهم مخرجات العيد ان يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه سواء وافقه الرأي أو اختلف معه لأن العيد يؤطر قاعدة «اختلاف الرأي يجب ألا يفسد للود قضية لكل أمة من الأمم عيدها الخاص بل أعيادها ومناسباتها التي تحتفي بها بمظاهر وطقوس مختلفة، والعيد عند الأمم المختلفة قد يكون فرحة بختام عمل مجيد أو استذكارا لمناسبة سعيدة أو إحياء لذكرى أليمة أو ختاما لعمل صالح. وقد يكون هناك أكثر من عيد لدى الأمة الواحدة لكل منها مناسبته وطقوسه. وقد سمي العيد بذلك الاسم لأنه يعود كل عام في موعده المحدد ويتكرر. كما أسلفنا فالأعياد قد تكون دينية أو دنيوية أو مختلطة. وللأعياد تاريخ فهي تتطور سلباً وايجاباً مع مرور الزمن. ففي الماضي البعيد كانت الأعياد وثيقة الارتباط والصلة بالمواسم مثل مواسم الحصاد والمطر وغيرهما مما يهم الإنسان وله صلة بمعيشته. أما الأعياد في الوقت الحاضر فهي عديدة ومتنوعة لكن أهمها تلك الأعياد التي يمارسها المسلمون والمسيحيون واليهود بالاضافة إلى اتباع الديانات الأخرى. فالمسلمون لديهم عيدان سنويان لكل واحد منهما مناسبته. فالأول عيد الفطر المبارك وهو يمثل فرحة بختام فريضة الصوم واستئناف الحياة العادية من جديد واستلهاما لعبر المتغيرات وتجسيد التجديد وتحفيزا للانطلاق. أما العيد الثاني فهو عيد الأضحى المبارك وفيه يحتفل الناس بيوم النحر تقرباً إلى الله عز وجل.. وكلا العيدين لهما مظاهر دينية تؤصل لمبادئ التكافل والعطاء بين طبقات المجتمع واستشعار لروح المحبة والتآخي بالاضافة إلى مظاهرهما الدنيوية مثل لبس الجديد وتبادل الزيارات وإظهار الفرح، أما العيد الثالث فهو اسبوعي يتمثل في يوم الجمعة حيث يجتمع الناس في الجوامع بمظهرهم اللائق ويستمعون إلى الخطبة التي تعتبر من أهم وسائل التوعية والتوجيه على المستوى التربوي والديني والاجتماعي والثقافي بالاضافة إلى تعزيز ثقافة الانتماء والمواطنة. هذا بالاضافة إلى مناسبات أخرى يتم احياؤها من قبل بعض الفرق والطوائف الأخرى مثل مناسبة رأس السنة الهجرية والمولد النبوي ويوم عاشوراء وتحري ليلة القدر. أما المناسبات الدنيوية فهي كثيرة يأتي في مقدمتها اليوم الوطني وذكرى الاستقلال وذكرى الجلوس أو التحرير أو تولي سدة الحكم وغيرها من المناسبات. أما الأعياد عند المسيحيين فأهمها عيد الميلاد وعيد البشارة وعيد الغطاس وعيد رأس السنة وعيد القيامة وعيد أحد الزعف وكل تلك الأعياد تعتمد على التقويم الميلادي. أما أهم أعياد اليهود فهي عيد رأس السنة العبرية وعيد يوم الغفران وعيد المظلة وعيد التدشين وصوم العاشر من طنيت (اسم شهر عبري) وعيد الفصح وعيد الأشجار وعيد ذكرى خراب الهيكل. ومن المعلوم ان أغلب أعياد اليهود عبارة عن أعياد تحيي ذكرى أليمة مروا بها عبر تاريخهم. وذلك لأخذ العبرة وتذكير الأجيال المتتابعة بتلك الكوارث من أجل ألا تكررها الأجيال المتتابعة. هذا بالاضافة إلى عدد مستحدث من الأعياد مثل ذكرى المحرقة، وذكرى الساقطين في القتال، هذا ويتم حساب مواعيد الأعياد اليهودية حسب التقويم اليهودي الذي يتبع ويعتمد على حورزمية ترصد الهلال لكل شهر جديد ومن ثم تتم الملاءمة بين الدورة القمرية والدورة الشمسية من أجل أن يحل العيد في موسمه الذي لا يتغير في كل عام. وفي العصر الحديث تم استحداث عدد كبير من المناسبات والأعياد وذلك مثل عيد العمال وعيد الأم وعيد الحب وعيد النصر وعيد المولد وذكرى اليوبيل الفضى والذهبي وعيد الاستقلال وغيرها من الأعياد التي كان العامل الأول من ولاء استخدامها عاملاً اقتصادياً في المقام الأول حيث الدعاية المرافقة لها وتكرارها عودت الناس عليها فاستمرؤوها فأصبحوا يحتفلون بها رغم ما تكلفهم من مصاريف، ولهذا نجد أن عدد تلك الأعياد يزداد عدداً مع مرور الأيام. لقد نسي الناس ان الأساس من استحداث تلك الأعياد هو أمان اقتصادي له أبعاد مادية مدروسة. وعلى أية حال فإن أعياد المسلمين تعتبر أفضل أنواع الأعياد لما تنطوي عليه من معان روحية ودنيوية ولما يكتنفها من بذل وعطاء.. فعيدا الفطر والأضحى يشتملان على معان دينية ودنيوية قوامها التكافل والتآخي والفرح وتمييع الفوارق. وفي الحقيقة فإن العيد له أبعاد ثقافية وتربوية واجتماعية واقتصادية وسياسية وأمنية إلا أن تلك الأبعاد لم تفعل بصورة جوهرية على الرغم من أهميتها خصوصاً في خضم عجلة الإعلام الجبار الموجه والذي يعطي للأعياد غير الإسلامية بريقا ورونقا حيا على الهواء من قبل فضائيات عديدة بعضها محسوب على الإسلام والمسلمين. ولاشك أن مثل ذلك الحراك الإعلامي المدروس له تأثيره على المشاهد خصوصاً ان ذلك الحراك تدعمه الدعاية ويشد من أزره الفراغ الإعلامي المضاد الذي من أهم عوامل تكبيله جمود النظم وجمود فكر المنظم والمشرع اللذان مازالا يجتران أساليب الماضي وأدواته. لذلك فإن تطوير أساليب الاحتفال بالعيد وبما لا يتعارض مع أحكامه وسننه ومستحباته المؤكدة أصبح ذا أهمية كبرى خصوصاً انه يوجد بيننا جماليات متعددة الأعراق والثقافات يربو عددها على ثمانية ملايين نسمة أي أكثر من ثلث سكان المملكة. إن هؤلاء يجب أن يتأثروا بأعيادنا وثقافتنا ولغتنا حتى إذا عادوا إلى بلادهم حملوا معهم بعضاً من تلك المظاهر الإسلامية وعمموها ونشروها فهم يشكلون سفراء يحسن الاهتمام بتثقيفهم وتعليمهم. ولعل تعليمهم اللغة العربية من أهم وسائل فهم ثقافتنا بدلاً من أن نلوي ألسنتنا لهم ونخرب لغة أبنائنا بتعلمهم لهجات ولغات غير حية تجلبها تلك العمالة وتنشرها بيننا. وعلى العموم يمثل العيد شعاراً للأمة يوحي لها بأن فيها قوة تغيير تواكب الزمن وهذا لا يتأتى إلا من خلال استعراض الأمة لعاداتها وتقاليدها ونظمها الثقافية والتربوية وتقويم المعوج منها وتطوير الايجابي وتعميمه والتخلي عن السالب. ولعل من أهم المعاني والخصال الكريمة التي يجب أن يستثمر العيد في تثبيتها تأطير معاني التآخي والتعاون ونبذ الفحش والعدوان وتعزيز فضلية الاخلاص في الأقوال والأعمال والبعد عن الكذب ونشر وتصديق الشائعات والعمل على نشر ثقافة التعاون والتطوع والتخلي عن ثقافة التواكل والكسل، وغرس روح الانتماء وحب الوطن والبعد عن الانهزامية وعدم الاكتراث، وتعزيز وحدة الكلمة والتخلص من ازدواجية المعايير، والبعد عن الفرقة وتجذير روح التعاون وتأصيل روح الإيثار والتخلص من الأنانية والاحتكار والاستغلال والحسد والحقد واستبدالها بروح حب الخير للغير ناهيك عن ترك ثقافة التصنيف وتبادل التهم واستبدالها بروح الحوار واعتماد قاعدة «رأيي صحيح يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، وبذلك نجعل العيد استراحة يجدد فيها الإنسان منهجيته وأسلوب تعامله من خلال أن نستلهم من الماضي زاداً وتجربة للحاضر ومن الحاضر استعداداً للمستقبل. أي أن تقويم النفس على المستوى الفردي وتقويم الحراك على المستوى الاجتماعي كفيلان بخلق روح جديدة لها طموحات وتطلعات أوضح وأكثر قابلية للتحقيق بدلاً من روح الاستكانة والتكرار غير المفيد. نعم ان العيد يمكن ان يعتبر قوة ورمز تغيير ينتقل فيه ومن خلاله الناس من حال إلى حال أفضل. فليكن التغيير على مستوى الفرد والجماعة أشمل وأعم وذلك في الأنفس والعقول وفي المظهر والمخبر وفي الآمال والتطلعات وفي التخطيط والتنفيذ وفي الانفتاح وفي الحوار وفي التعايش وعدم الإنكار. إن في الحياة متسعا للجميع دون تناحر أو تباغض أو صراع أو إلغاء فالتطرف مرفوض سواء كان مصدره دينيا أو ليبراليا. فالوسطية تعني الاعتدال وهو دين وديدن هذه الأمة. فلتكن أعيادنا أعياد محبة واخاء وتكاتف ولنكن متكاملين فيما بيننا فلكل منا نظرته ولكل منا فلسفته ولكل منا آراؤه ولكل منا أسلوبه ضمن دائرة وخصوصية المجتمع وثقافته التي تميزه عن غيره من المجتمعات التي تعبر عن هويته وانتمائه. نعم من أهم مخرجات العيد ان يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه سواء وافقه الرأي أو اختلف معه لأن العيد يؤطر قاعدة «اختلاف الرأي يجب ألا يفسد للود قضية»، وبناء على ذلك يجب أن ننبذ ثقافة تفسير نوايا الآخرين ومكنوناتهم دون دليل أو بينة. ناهيك عن تصديق الشائعات والأراجيف في حق الفرد أو المجتمع أو الدولة (إن بعض الظن إثم). لتكن أعيادنا وقفة صدق مع النفس ومع الآخر ووقفة صدق مع الوطن حباً وانتماء وتضحية خصوصاً في هذا الوقت الذي كثر فيه الهرج والمرج وفقدان الأمن في بعض من الأوطان المجاورة. وليكن العيد دافعاً نحو مزيد من وحدة الكلمة وصدق التوجه لأن زيادة تفعيل تلك التوجهات يصب في خانة الأمن الوطني ويؤسس لأمن فكري متطور لا تشوبه التناقضات، جل اهتمامه المصلحة العليا للوطن. والله المستعان. يا ليلة العيد كم في العيد من عبر لمن أراد رشاد العقل والبشر