في افتتاح اجتماع اللجنة الوزارية العربية المعنية بالوضع في سوريا، أعرب رئيس اللجنة الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، عن “الأسف الشديد لكون جميع المبادرات العربية والدولية التي تم اتخاذها من أجل انتقال سلمي للسلطة في سوريا، ووقف نزيف الدم هناك، لم تؤدِّ إلى الهدف المنشود، بسبب تمسك النظام بالحل الأمني”. وعقب الاجتماع أضاف الوزير للصحافيين “إن هناك توافقاً عربياً لدعوة الرئيس السوري (بشار الأسد) للتنحي سريعاً عن السلطة مقابل الخروج الآمن”. من جانبه، اعتمد المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية في اجتماعه غير العادي بالدوحة يوم 22 يوليو 2012، القرار الذي تم رفعه من اللجنة العربية المعنية بالوضع في سوريا. وتضمن القرار “نداءً” للرئيس السوري بالتنحي عن السلطة، وأن الجامعة العربية ستساعده في الخروج الآمن له ولعائلته حقناً لدماء السوريين وحفاظاً على مقومات الدولة السورية ووحدتها وسلامة أراضيها ونسيجها الاجتماعي وضمان الانتقال السلمي للسلطة. يأتي هذا في وقت انتفضت فيه المدن السورية، ونزح عشرات الآلاف نحو تركيا والأردن. وتقطعت السبلُ بعشرات الآلاف بعد ورود أنباء عن مواجهات بين النازحين وقوات الأمن التركية. وفي وقت وصل فيه عدد الضحايا -حسب المرصد السوري- إلى أكثر من 19 ألف قتيل مدني نتيجة رد الفعل العنيف من قِبل السلطات الأمنية والجيش ضد المتظاهرين الذين انتفضوا منذ مارس 2011، فإن النظام -الذي تعرض لضربة قاسية بعد تفجير مبنى أمني وسط العاصمة دمشق سقط خلاله وزير الدفاع ونائبه (صهر الرئيس) ومجموعة أخرى، وجُرح فيه وزير الداخلية- مازال يمارس أشكال العنف كافة ضد شعبه. في الوقت الذي ينضم قادة كبار من الجيش إلى الجيش الحر. نحن لا ندري لماذا يسيطر (حبُّ الكرسي) هكذا على الزعماء العرب؟ حتى لو لفظتهم شعوبهم! ولماذا يتم إكراهُ الشعوب على تقبّل حكم دموي سلطوي؟ في وقت تتلاشى فيه المشاركة السياسية، وتُقمع كل المبادرات المدنية نحو الانتقال بالبلاد من سلطة الحكم إلى حكم الدولة. لقد ماطلَ (صدام حسين) كثيراً، وهو لم يواجه مظاهرات شعبية كغيره، لكن المجتمع الدولي نابَ عن العراقيين في تخليصهم منه! وتلقى العرضَ تلو الآخر للخروج الآمن، لكنه “استكبر” وعصى، فكان أن حدث إجماعٌ دولي على إزاحته بالقوة. حيث تفرقت جموع جيشه الجرار وحرسه الجمهوري، ووُجد في حفرة حقيرة أدخلته هامش التاريخ، لأنه (لم يسمع الكلام)! وأيضاً جاءت الفرصة للرئيس (معمر القذافي) وتلقى العروض أن يترك شعبه يدير البلاد وينجو هو وعائلته، بعد أربعين عاماً من حكم توتاليتاري شامل، لم يكن فيه لأي ليببي الحق في المشاركة في القرار الداخلي والخارجي، وورط ليبيا في عديد من المشكلات مع المجتمع الدولي! وحرم الشعب من حقوقه في ثروات بلاده! مع “تقديس” واهم للكتاب الأخضر الذي لم يزهر شيئاً للشعب الليبي. فصار أن تم قتله شر قتلة من قِبل أبناء شعبه الذين وصفهم بالجرذان والمحببين، وغيرها من الصفات التي لا يتصف بها الحكام العقلاء. وأيضاً (لم يسمع الكلام). نفس الشيء حصل للرئيس علي عبدالله صالح، إلا أنه نجا بجلده بقبوله المبادرة الخليجية، ولو بعد مماطلة شديدة، بعد أن وصله الموت إلى المسجد! وعاد مقتنعاً دون كرسي الرئاسة. (وسمع الكلام)؛ مثله مثل زين العابدين بن علي الذي فهم شعبه دون مشاغبات أو مراوغات. والرئيس المصري حسني مبارك أيضاً ماطلَ كثيراً وعوّل على الداخل والخارج، وتلقى عروضاً للعيش الكريم هو وعائلته في بلد عربي، إلا أنه رفض، وانتصرت الثورة، وتم الزج به في السجن، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. (ولم يسمع الكلام).المراقب العربي يقارن أحياناً بين رؤساء الدول المتحضرة في الغرب -الذين يفوزون بشرف الصناديق، وليس بنسبة 99,9%- كما هو الحال في البلاد “الديمقراطية” العربية، ويدركون أنهم سوف يغادرون الكرسي بعد سنوات، ولهم حق الترشح لفترة ثانية -كما هو الحال في أمريكا- ويعترفون بقوة القانون، الذي لا يستطيعون تغييره، وبفعالية المجالس المنتخبة التي تشرع سياسات الدولة وبين زعماء الدول العربية الذين يأتي بعضهم عبر الدبابة في الأنظمة الجمهورية، ويبقون مدى الحياة، أو حتى انقلاب آخر يُطيح بهم، أو رصاصات مُرتّبة تخترق أجسادَهم. ألا يشبع هؤلاء الزعماء من كثرة البقاء على الكرسي؟ خصوصاً في دول لم تهتم بالمواطنين ولم تتقدم قيد أنملة، كما هو الحال في ليبيا ومصر وتونس واليمن وسوريا؟َ وتذهب كل مقدرات البلاد للجيش والحرس وقوات الأمن التي تحفظ الحاكم وتعادي الشعب. وكيف يستريح ضمير الحاكم إن بقي ثلاثين أو أربعين عاماً وهو يحكم بالحديد والنار دون أن يحقق لشعبه أدنى مراتب الحياة الهانئة، أو المستوى المتوسط من العيش، خصوصاً في بلد غني مثل ليبيا، أو بلد في خير كثير مثل مصر، أو بلد تلقى المليارات مثل اليمن؟ واليوم ها هي الفرصة تجيء للرئيس بشار الأسد كي يحقن دماء شعبه، ويحقق لهم ما يريدونه ويرحل قبل أن تضيع الفرصة، وقبل أن يلطخ يديه بمزيد من دماء السوريين الأبرياء، وهو لابد أن يعيَ الدرس قبل فوات الآوان. ألا يحتاج الموضع إلى دراسة؟ أعتقد أن دراسة سيسولوجية/ سيكولوجية لعقلية هؤلاء الزعماء الذين سقطوا سوف تفيد غيرهم، وتعرّف الشعوب على ما خفيَ عليهم.