في ألعاب الأولمبياد لاحظ الجميع تميز العرب في الألعاب الفردية دون الألعاب الجماعية. الأمر الذي انسحب على حصد الميداليات. ثمة ما يدعو للتوقف والبحث من أجل تقصي هذه الظاهرة التي تذكرنا بالمقولة: «العرب أقوياء كأفراد ضعاف كجماعات». فالجماعة العربية ظلت قروناً طويلة ترزح تحت تقاليد وثقافة تمجد القائد الفرد على حساب الجماعة، وتنسب منجزات الجماعة للفرد القائد. وتعيش كمجموعة تتلقى الأوامر دون أدنى امتلاك للروح النقدية. البعض ربما يعتقد أن هذه هي حالة أي جماعة بشرية بدائية، وهذا ينسب ظلماً للإنسان الأول، فالطريف أن الإنسان الأول كان أكثر رقياً من الإنسان المتحضر، إذ إن الإنسان البدائي كان لا يجيد إلا القتل في تعامله مع الغرباء، أما العبودية والقهر والسخرة فلم تأتِ إلا بعد الثورة الزراعية مع الإنسان المتحضر، الذي أبدع في ابتكار طريقة جديدة مع أسرى المعارك، إذ اتخذهم عبيداً يعملون بالسخرة. وهذا يعدّ أخطر تحول في علاقة الإنسان مع عدوه بعد القتل. فالطواعية ذلك الزمن لم تكن موجودة إلا بين الحيوانات التي تعيش على هيئة قطيع، فالقطيع لم يكن يذعن إلا لأقوى عضو فيه، فمثلاً في قطيع ثيران البايسن بعد فوز الذكر في المعركة، يدين له كامل القطيع بالتبعية، وحتى يثبت فحل البايسن ملكيته للمراعي التي انتصر فيها يقوم بالتبرز في أطرافها راسماً حدود مضاربه، حتى لا يتجرأ ثور مهزوم ويدخلها! هناك مؤسسة أخرى يلقى عليها باللائمة في ضعف الجماعة العربية ألا وهي القبيلة، والحديث يطول حول سلسلة التهم، لكن في الواقع القبيلة العربية هي أكثر الجماعات ديمقراطية، فالتشاور يمارس بشكل بديهي، وتستمد سلطتها من فرسانها وحكمائها، بل حتى الزعامة لم تكن متوارثة كما يعتقد البعض كما عبّر محمد عابد الجابري، فالقبيلة تنفض من حول الزعيم الذي لا يحقق طموحاتها، وكانت علاقة الزعيم بالأفراد علاقة مداراة، لكن هذه العلاقة تحولت في هذه المؤسسة بعد مرحلة الدولة الحديثة. وفي حقل التكريس مازال التعليم العربي يكرس هدم المؤسسة (الجماعة) لحساب تمجيد القائد (الفرد) فيردد على مسامع الأطفال: «أسد يقود قطيعاً من الحمير أفضل من حمار يقود قطيعاً من الأسود»، ليس هذا وحسب بل يكرس أيضاً لهدم الروح النقدية فيردد الأطفال: «مخطئ مع الجماعة أفضل من مصيب وحده»! وحتى مع ثورة الجماهير العربية هناك من ردد أن الرئيس المصري محمد مرسي لا يمتلك الكاريزما اللازمة له كرئيس، وهذا بلاشك يعكس الهزيمة النفسية للجماعة التي مازالت تبحث عن الكاريزما لإشباع عاطفة القطيع! ولا عجب أن أول مرحلة دشنها العرب بعد الاستعمار كانت مرحلة القادة: عبدالكريم قاسم، جمال عبدالناصر، أحمد بن بيلا…، لذا لا نستغرب إذاً رأينا اللاعب العربي الفرد يتفوق على الجماعة التي ظلت طيلة قرون كقطيع بايسن ينتظر من يفوز ليرسم لها حدودها!