عديد ممن يقرأ لي يسخر مني لحديثي عن أسلوب المقاومة المدنية الذي يسمى عند البعض أسلوب اللاعنف، فيضحكون ويقولون ماذا يقول جلبي عن كارثة سوريا الحالية، وقتل النظام المعارضة؟ حتى قفز الرقم إلى عشرين ألف شهيد مما دفع المعارضة دفعا حثيثا للتسلح ونشوء الجيش الحر الذي يقاتل مع كتابة هذه الأسطر في كل زاوية في سوريا، ويخوض ما أطلق عليه (أم المعارك) في حلب؟. الحرب في عمومها ظاهرة صعبة التفسير متعددة العناصر ولكنها شر يكرره أولاد آدم منذ أيام ابن آدم الأول الذي سفك وسفح الدم الحرام. بعضهم لبعض عدو. ليس ثمة حرب نظيفة، ولعل أقذرها هي الحرب الأهلية، ومنه نفهم فظائع النظام السوري تجاه المدنيين وكيف يحاول إطفاء لهيب الثورة بكل سبيل ممكن كما أوردت مجلة در شبيجل الألمانية توجيهات المراهق السياسي في سوريا أوقفوا الاحتجاجات بكل طريقة. منه نفهم حجم الفظائع في مواجهة الثورة التي تزداد لهيبا مع تقدم الوقت حتى تصل إلى النقطة الحرجة فتقف أو تصل إلى كل ماتريد أو بعضه. لقد كتبت أنا شخصيا كثيرا حول ظاهرة الحرب ومنها الحروب الأهلية وكلفتها. كنا نكتب والناس تقرأ ولكن الأيام أوصلتنا إلى الحالة التي نرى ماكتبناه رأي العين. هذه الأيام نرى تصميم الصبي المراهق في سوريا على تدمير سوريا. أظن أنه لن يبقى حجر على حجر. كتب كثير أن هذه الثورة لم تعد ثورة، وسوريا مقبلة على التفتيت والتقسيم ولكن السؤال لماذا يحدث هذا في سوريا وليس في الدنمرك. والجواب هو ذلك الاستعداد الخفي للانفجار. سألني المثقف الفقيهي عن أصابع تحرك المياه السورية؟ وكان جوابي له باختصار: لو ألقيت عود ثقاب في برميل بارود تفجر ولو ألقيته في برميل ماء انطفأ. هنا نرى أن عنصرا واحدا أخذ نتائج متباينة حسب الوسط المستقبل. أنا شخصيا كنت أتوقع مايحدث ولكن ليس بالسرعة التي حدث بها. كان الفيلسوف إيمانويل كانط الألماني معاصرا للثورة الفرنسية وحين كانت تنقل له فظاعات المقصلة (الجيلوتين) كان يردد يوم استبداد أفظع من كل الفظائع. الحرب الأهلية مكلفة جدا، ومدمرة جدا، لأن الناس تعرف بعضها بعضا فتفتك بما يعجز عنه الغيلان. يقول الرب عن الكوارث التي تحيق بالمجتمعات إنها ثلاث من فوقكم ومن تحت أرجلكم أو (يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض) وهو ما يحدث في معارك سوريا على امتداد رقعتها الجغرافية حتى حين. النار تلتهم ألسنتها بعضها بعضا حتى تصل لحظة الذروة مثل موقد الحطب فتترك خلفها رمادا تذروه الرياح «وكان الله على كل شيء مقتدرا».