من الطبيعي أن تواجه كل ثورة أو انتفاضة شعبية بمقاومة شرسة من أصحاب المصلحة في بقاء نظام الحكم. ومن الطبيعي أن يعمل كل نظام حكم على إيجاد طبقة مستفيدة ترتبط مصالحها بمصالح النظام. وأحيانا تتجاوز أنظمة الحكم ذلك، فتعمد إلى إشعال نار الصراع الطائفي والمذهبي عملا بالمبدأ الاستعماري الشهير (فرق تسد). وهو ما فعله بالضبط نظاما البعث في كل من العراق وسوريا. الثوار في البلاد العربية يفهمون ما سبق جيدا، لكن مشكلتهم تتجلى في إصرارهم على عدم الاعتراف بوجود شريحة غير قليلة من شعوبهم تخاف التغيير وتتوجس منه. والثورة لا يمكن أن تربح معركتها دون أن تكسب هذه الشريحة ولو على صعيد التأييد والتعاطف فقط. ما لم يفهمه الثوار في كثير من البلاد العربية وخصوصا بعض البلاد التي تتكون من فسيفساء اجتماعية معقدة، أن الأنظمة لعبت جيدا ورغم وقوعها في أخطاء قاتلة، على وتر التوجس الذي يشعر به البعض تجاه أي تغيير. وفي الحالة السورية تحديداً ورغم كل أشكال القمع الذي مارسه الجيش والأجهزة الأمنية، فقد نجح النظام في استغلال مطالب بعض تيارات المعارضة بالتدويل والتدخل الأجنبي وإقامة منطقة عازلة، لتغذية حالة التوجس التي يشعر بها جزء من المجتمع السوري تجاه الثورة. العجيب أن الثوار السوريين لم يقدّروا أن شعبهم يشعر أكثر من غيره بالتوجس من الغرب، باعتباره جارا للكيان الصهيوني وباعتباره أحد أكبر المتضررين من استمرار دعم الغرب وانحيازه المطلق لهذا الكيان. ما هو أهم من كل ذلك، أن السوريين شاهدوا بأم أعينهم ما حدث للشعب العراقي الذي رحب في البداية بالاحتلال الأمريكي وصدق الدعاية القائلة بأن الأمريكيين لم يحركوا جيوشهم إلا لإسقاط نظام الطاغية صدام حسين وفرض الديمقراطية في العراق. والسوريون لا يعرفون نتائج الغزو الأمريكي من نشرات الأخبار فحسب كما هو الحال مع كثير من الشعوب العربية الأخرى.. السوريون هم أكثر شعب عربي احتك بالعراقيين وسمع وعايش وتفاعل مع قصص وفظائع الاحتلال الأجنبي مباشرة، بحكم وجود عدد كبير من اللاجئين العراقيين على الأراضي السورية. السوريون لديهم هاجس آخر يتمثل في وقوع الحرب الأهلية، وهو ما عايشه المجتمع السوري على مدار خمسة عشر عاما من خلال الحرب الأهلية التي اندلعت في لبنان الذي يعتبر البلد الأكثر قربا من جميع النواحي، من سوريا. إذا لم ينجح الثوار في تسكين المخاوف السابقة فإن الثورة ستفشل حتما.