في ظل التغيرات الدراماتيكية في العالم العربي ووصول الزعماء المنتخبين إلى قيادة دولهم باختيار الشعوب العربية التواقة إلى نسيم الحرية بعد عشرات السنين من كتم الأنفاس .. في ظل كل هذا تظهر قصة وفاة الرئيس عرفات مسموماً في عام 2004 بمادة البولونيوم المشع 210 كرسالة من أطراف معينة لحرب قذرة ولكن ما هي هذه المادة الفضية التي تكفي كمية صغيرة جداً منها اقل من الجرام الواحد بكثير لقتل إنسان؟ البولونيوم مادة مشعة اكتشفتها مدام كوري في عام 1897 وسمتها البولونيوم نسبة الى بلدها بولندا. وهذه المادة موجودة في الطبيعة بكميات بسيطة جداً لكن يمكن انتاجها في المفاعلات النووية بكميات وافرة وهذه المادة مادة مشعة تصدر إشعاعاً يسمى ألفا وهي جسيمات صغيرة (نواة ذرة الهيليوم) وهذا النوع من الاشعاع هو واحد من اخطر ثلاثة أنواع من الإشعاع (ألفا وبيتا وجاما) فألفا كما اسلفنا هي جسيمات صغيرة، وبيتا ايضاً هي جسيمات اصغر منها وهي الالكترونات وجاما هي اخطرها ولكنها ليست جسيمات بل اشعاع كهرومغناطيسي شديد الاختراق للاجسام، ولكنه لا يترسب في الجسم، اما اشعاع الفا الناتج عن تحلل البولونيوم فيمكن الوقاية منه خارجياً ولكن بمجرد دخوله للجسم يترسب داخل الجسم ويقوم بإتلاف النسيج الخلوي ونخاع العظام وظهور السرطان كنتائج متأخرة. ولكن الخطورة الأكبر في مادة البولونيوم هي السمية فهو عنصر سام جداً تفوق سميته سمية مادة سيانيد الهيدروجين بحوالي مليون مرة ومادة سيانيد الهيدروجين استخدمت في الحرب العالمية الثانية كسلاح كيميائي للأبادة الجماعية. والسؤال هنا كيف يمكن الكشف عن وجود مادة البولونيوم في رفاة الرئيس عرفات بعد ثماني سنوات حيث ان نصف عمر هذا العنصر لا يتعدى اربعة اشهر ونصف ونصف العمر (half life) هو مصطلح في الاشعاع يقصد به الزمن اللازم لتحلل نصف الكمية باصدار إشعاع فإصدار الإشعاع هو تحلل للعنصر وتحوله إلى نظير أخر في خلال الاربعة اشهر والنصف الاولى يتحلل نصف الكمية وخلال الاربعة اشهر والنصف الثانية يتحلل الربع وهكذا. معنى ذلك ان الكمية الموجودة الآن في رفات عرفات هي كمية بسيطة جداً من البولونيوم 210 ولكن مع ذلك يمكن الكشف عنها وذلك بتتبع النظائر التي تحولت اليها حيث ان نتائيج التحلل هي نظائر اخرى من عنصر البولونيوم وبعضها يبلغ نصف عمره اكثر من 100 سنة. اذاً الفيصل في هذا الموضوع هو تشريح جثة الرئيس عرفات وتحليل عينات من عظامه فاذا لم يظهر أي اثر لهذه المادة فمعنى ذلك ان هذه المادة وضعت في ملابس عرفات بعد وفاته وبالتالي يكون سبب الوفاة هو بكتيريا البوتشيليزم والتي ظهرت أعراضها عليه قبل وفاته وهذا ما أشار إليه تقرير المركز الطبي الفرنسي الذي توفي فيه عرفات وعند ذلك سنشعر نحن العرب بتأنيب الضمير على إساءة الظن بهذا الجهاز البرئ المسمى الموساد.