يعجب المرء مما يجري على أرض الشام العزيزة، وأجزم أن كل عربي يردد: يا شام. إن جراحي لا ضفاف لها فامسحي عن جبيني الحزن والتعبا كيف للشام أن تفعل ذلك، وهي التي تئن حزنا وألما، وتعيش مجازر ومآتم. إنها مجازر لا يقوم بها عدو خارجي، بل يمارسها من يفترض فيه أن يحمي المواطن، وينافح عنه. وتزداد الدهشة ويكبر السؤال، هل للملك والرئاسة والقيادة سلطة ونشوة تعمي صاحبها عن رؤية الطريق السوي؟ ويكون الهم الأكبر التشبث بالسلطة والاقتتال من أجلها، دون مراعاة لمصلحة الوطن الكبرى؟ حوادث نادرة جدا في التاريخ القديم والحديث، تلك التي يتنازل فيها الحاكم عن عرشه؟ أو يتخلى عن سلطته! بل إنهم يدمرون الوطن ويقتلون الشعب من أجل البقاء في السلطة! هل النفس البشرية تزداد قسوة بمزيد من سفك الدماء؟ ويغيب عنها إدراك حقيقة مؤكدة أن مصيرهم الزوال؟ إنها ليست ثورة أفراد أو مجموعة يمكن القضاء عليها، بل انتفاضة شعب، وثورة جمعية، وتلك تزداد بمزيد من القمع اشتعالا، وبمزيد من القتل حماسا وتأكيدا. الثورة الشعبية حين تشتعل لا يمكن لها أن تتوقف أو تهدأ حتى تحقق هدفها الرئيس وهو الإطاحة بالنظام أو رمزه. ألم يتابع حاكم سوريا أحداث الربيع العربي، ويرى أمامه الرؤساء العرب، وهم يتساقطون الواحد تلو الآخر. على زين العابدين في تونس، وحسني مبارك في مصر، والقذافي في ليبيا، وعلى عبد الله صالح في اليمن كلهم سقطوا من كرسي الحكم، على اختلاف طريقة السقوط، فهل بشار استثناء أم أنه يحمل رؤية مختلفة؟ تقول العرب: «العاقل من اتعظ بغيره»، لكن يبدو أن «على قلوب أقفالها»! دمشق وحلب وحمص مدن صنعت تاريخا ومجدا. وكل عربي ومسلم يشعر أنها جزء من تاريخه، ومكون لحضارته. فما أصعب أن يراها تعيش حالة من القصف والتدمير، ويسقط أبناؤها عشرات ومئات وآلافا، في سبيل كرامة وحرية ومجد وطن. مع كل ذلك يتذكر المرء شاعرها العربي الكبير، وهو يتساءل: يا شام. أين هما عينا معاوية وأين من زحموا بالمنكب الشهبا فلا خيول بني حمدان راقصة زهوا ، ولا المتنبي ماليء حلبا وقبر خالد في حمص نلامسه فيرجف القبر من زواره غضبا وترتجف معه قلوب المسلمين جميعا في هذا الشهر الكريم، متجهة إلى البارئ سبحانه، بالابتهال الصادق، والدعاء المخلص أن يلطف بأهل الشام الأبرياء، ويخفف من آلامهم، ويهدئ من روعهم، ويحقق لهم نصرا من عنده، إنه سميع مجيب.