الإبداع طاقة عقلية هائلة فطرية في أساسها ويعد أحد العناصر الحيوية لتحقيق التميز والتفوق في عديد من المجالات المختلفة، والتفكير الإبداعي كفاءة وطاقة واستعداد يكسبه الإنسان من خلال تركيز منظم لقدراته العقلية، إرادته وخياله وتجاربه ومعلوماته. هناك مدارس فكرية عديدة تتبنى فكرة مفادها أن الإبداع فطرة وليس اكتساباً وفي حين يبدو وكأن للعبقرية مكونا بيولوجيا يمكن توزيعه بصورة متفاوتة على الشخصيات بمختلف أنماطها،علاوة على ذلك، هناك عدد من العمليات التي يمكن أن تعد من السمات المميزة للأشخاص المبدعين بالفطرة. وأصبح التميز المؤسسي في هذا العصر يعتمد على سمة الإبداع حتى أن المؤسسات الريادية أصبحت تدرك قيمة إسهام الإبداع في كل من العمليات الداخلية والنتائج الخارجية. والمشكلة تكمن في أن الإبداع يعد المكّون الأضعف بين مكونات المعرفة العربية التي يشكل قطاع التعليم أهم عناصرها. ويرى “ألبرت سينت جورجي” أن الإبداع هو “رؤية ما يراه الآخرون والتفكير فيه بطريقة مختلفة” ووجود مبدعين على رأس الهرم الإداري يقدمون رؤى وأفكاراً مختلفة ومناسبة في الوقت نفسه يعد في رأي المتواضع إبداعاً من صانع القرار. إن الإبداع يعد ركناً مهماً في مجابهة تحديات العصر والاستجابة لمتطلباته. أود أن أذكر مثالاً من محيطنا الأكاديمي، وهو الدكتور ياسر سليمان شوشو عميد كلية خدمة المجتمع والتعليم المستمر في جامعة أم القرى فهو من الأشخاص الذين يتمتعون بموهبة فطرية على الإبداع والابتكار في الإدارة ومن خلال احتكاكي المباشر به اكتشفت أنه يدرك أن فن الإدارة يتطلب وجود فكر إبداعي وممارسة تقوم على الإبداع، حيث يعد الإبداع مفتاح العبور إلى المستقبل واستشراف آفاقه، إضافة إلى إدراكه أن التحدي الأكبر يأتي من طرح التساؤلات التالية، “إلى أي مدى يكون هذا الشىء مختلفاً؟ وكيف؟” وتأتي الإجابة من خلال تبنيه سياسة دفع عجلة القوة الإبداعية التي تقوم على أساس إدخال تحسينات أو إعادة ترتيب المنتجات والخدمات الموجودة التي تقدمها الكلية، وبالتالي رؤى د. شوشو، يمكن تلخيصها على أساس أن الإبداع المؤسسي غالباً ما يكون مجرد تكييف وتطويع للمنتجات أكثر منه تطبيق تغيير جذري عليها. وهنا أود أن أؤكد وبشهادة الجميع أن د. شوشو استطاع نقل كلية خدمة المجتمع والتعليم المستمر في جامعة أم القرى لتكون من مصاف الكليات المتميزة على المستوى السعودي والخليجي والإقليمي بفضل إدراكه أن الإبداع يعد ذا أهمية بالغة على النمو والتطوير والوصول إلى تحقيق الأهداف. ولم يبق سوى أن أختتم حديثي عن د. ياسر شوشو بمقولة تداولها المسلمون “لقد أتعبت من بعدك يا عمر”. من خلال ما سبق أناشد وزارة التعليم العالي أن تتبنى سياسة انتخاب عمداء الكليات والعمادات والإدارات المساندة في الجامعات من خلال برامج تطويرية يتقدم بها المرشحون خلال فترة محددة تمنح لهم، وبالتالي يصبح الإبداع السمة والمعيار الأقوى في اختيار الموهوبين إدارياً وأكاديمياً ومساندتهم في تحقيق أهدافهم التي ستنعكس حتما على مخرجات الأمة ومقوماتها.