قرر عددٌ من كبار ضباط الجيش العراقي السابق والأجهزة الأمنية المنحلة مغادرة بلادهم والتوجه إلى الأردن بعد موجة من الاعتقالات التي أطاحت بوعد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بمنح عفوٍ شامل لكل من لم تتلطخ يديه بدماء العراقيين في الأحداث الطائفية. وقالت مصادر عراقية في العاصمة الأردنية عمان ل «الشرق» إن جهازي مكافحة الإرهاب والأمن الوطني في العراق ألقيا القبض على كثير من الضباط وموظفي الرئاسة والأجهزة الأمنية العراقية المنحلة القادمين من سوريا بحجة جمع معلومات عن أسباب عودتهم إلى وطنهم وأخذ تعهدات منهم بعدم الوقوف ضد العملية السياسية. ولم تحدد هذه المصادر عدد المعتقلين من العائدين إلى العراق، الذين كانوا تركوا وطنهم منذ الاحتلال الأمريكي ثم الحرب الطائفية عامي 2006 و2007، لكنها رجحت أن يتجاوز عددهم الألف على أقل تقدير. وأكدت ذات المصادر أن كثيراً من كوادر الأجهزة الأمنية في نظام الرئيس الراحل صدام حسين عادوا من مناطق الفلوجة والرمادي إلى الأردن ومناطق حديثة وكبيسة غرب محافظة الأنبار بعد أن وصلتهم معلومات عن عمليات القبض التي قام بها جهازا الأمن الوطني ومكافحة الإرهاب في المناطق الواقعة في بغداد بين أبو غريب والعامرية، التي شهدت مداهمات وحملات اعتقالات نفذها مدنيون تابعون للأمن الوطني مصحوبون بأفراد من استخبارات الشرطة الاتحادية. وكانت موجة أخرى من الاعتقالات جرت في محافظات البصرة وديالى وكركوك والكوت والناصرية والقادسية بدعوى استهداف قيادات تنظيم العودة التابع لجناح يونس الأحمد في حزب البعث المنحل. وتؤكد المصادر العراقية في عمان ل «الشرق» أن أغلبية من جرى اعتقالهم في هذه الأيام سبق وأن أُطلِقَ سراحهم بداية العام الجاري ولهم أشقاء وأقارب في المعتقلات التي يديرها جهاز مكافحة الإرهاب بتهمة المشاركة في قلب نظام الحكم، «لكن أجهزة الإسناد، وهي مليشيات خاصة بحزب الدعوة الذي يقوده رئيس الوزراء نوري المالكي تقوم بدور المخبر السري وفقا لقانون مكافحة الإرهاب لإثبات التهم قضائياً على أي صوت يعارض انفراد رئيس الوزراء بالسلطة مما جعل كثيراً من كوادر القائمة العراقية وجمهورها يبتعد حتى عن مقراتها كونها تُتَّهَم من دولة القانون، قائمة المالكي البرلمانية، بالتحالف مع حزب البعث المنحل»، بحسب المصادر. وكان النائب عن العراقية، حامد المطلك، ناشد رئيس الوزراء نوري المالكي بإيقاف الاعتقالات العشوائية وإطلاق سراح الأبرياء. وفي السياق ذاته، قال عضو العراقية أحمد المساري «إن المئات من الأبرياء يُعتَقَلون في كل يوم بحملات عشوائية وغير مبررة تشنها القوات الأمنية التابعة للحكومة ولأسباب طائفية وسياسية». وأضاف المساري، «نراقب في هذه الفترة وبشكل مستمر ظاهرة الاعتقالات العشوائية في مناطق متفرقة من بغداد لاسيما منطقة العامرية واليوسفية والقاراغول»، مشيراً إلى ما سمّاه استمرار الأجهزة الأمنية في ممارسة الضغط على المواطنين دون أسباب. بدوره، انتقد التيار الصدري الاعتقالات التي جرت في البصرة، وقال مدير مكتب كتلة الأحرار التابعة للتيار في البصرة، مازن المازني، إن استخدام الرصاص الحي والاعتقال من قِبَل الأجهزة الأمنية في المحافظة هو عودة لتكميم الأفواه. يذكر أن منظمة هيومن رايتس ووتش أشارت إلى أن الحكومة العراقية تنفذ اعتقالات جماعية وتحتجز أشخاصاً بطريقة غير قانونية، في منشأة سجن «معسكر الشرف» (أو كامب أونور) سيئ السمعة في المنطقة الخضراء ببغداد، استناداً إلى لقاءات عديدة مع ضحايا وأفراد عائلات ومسؤولين حكوميين. ونفذت السلطات العراقية، حسب المنظمة الدولية، موجات من الاعتقالات وصف ضباط ومسؤولون إحداها بأنها «احترازية»، وقال نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش، جو ستورك، إن قوات الأمن العراقية تعتقل أناسا خارج نطاق القانون من دون محاكمة أو اتهامات معروفة وتخفيهم بمعزل عن العالم الخارجي.