كنت اتمنى مساء يوم الاثنين 15/3/1431ه ونحن نكرم الدكتور عبدالله بن ابراهيم العسكر استاذ التاريخ بجامعة الملك سعود في اثنينية الاستاذ عبدالمقصود محمد سعيد خوجة، التي تجمعنا دوماً حول البارزين من العلماء والمفكرين والادباء وغيرهم، ان نسمع منه تجلية لموقفه من مسيلمة مدعي النبوة، وقد كتب عنه بحثاً اثار جملة اعتراضات وجدلاً واسعاً، واعددت لذلك سؤالاً لافتح به لضيفنا المجال ليجلي موقفه، ولكن السؤال حجب، ولم يقل الدكتور عن هذا البحث الا كلمة عابرة لا تشفي الغليل، فكان لزاماً علي ان ابثه حزننا لما وجدناه في بحثه مما يوجب اعلان اعتراضنا عليه، فان كان يزعجه ان يوصف تاريخ هذه الامة بالاسلامي، لانه في نظره تاريخ شعوب لا تاريخ دين، فانه يزعجنا ايضاً ان يقال عن حركة الردة ومن زعمائها مسيلمة [ظاهرة فريدة وقفت طويلاً وبعناد في احيان كثيرة امام دولة المدينة في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم وعهد خليفته من بعده] ولافراده في الردة، فالمرتدون عن الاديان الالهية ومنها الاسلام لا يحصيهم الحصر، والمتنبون الكذابون على مر السنين لا يتوقف ظهورهم، واما ان حركة الردة وقفت طويلاً وبعناد في احيان كثيرة امام دولة الاسلام في عصرها الاول، فهو ما لا يؤيده الواقع، فما مضى على الردة عام واشهر الا وانهزمت فلول المرتدين وتفرقت، واستقر الامر لدولة الاسلام التي نهضت بحضارة في ما بعد سمت وكانت فتحاً للبشرية. كما يزعجنا ان يقال: [اما ما يخص المتنبي مسيلمة فقد اعتراه كثير من الغموض لطغيان الحملات التي استهدفته مع قبيلته بني حنيفة نتيجة الدور الذي لعباه في حالة الردة عن الدين]، وحال مسيلمة اجزم الا غموض فيه البتة، وقد تولى كبر ادعاء النبوة كاذباً وآل ما دعا اليه الى مزبلة التاريخ لا يبحث عنه احد، ولا يذكر الا وتذكر قبائحه معه، ولا اظن ان هناك حملات تستهدفه لا في الماضي ولا في الحاضر، ولا احد يستهدف قبيلته العربية بسوء، ولها في تاريخ الاسلام فعل يحمد، اما ان يذكر في التاريخ ما كان منهم من ردة وخروج على الدولة الناشئة للاسلام في المدينة فهذا لا يعني استهدافاً، بل هو ذكر لواقع مر لا يريد احد منهم تذكره، كما يزعجنا ان يقال: [لابد من التنبيه الى صعوبة قبول ما نسب الى مسيلمة من اقوال وتشريعات، فاحتمال انها مدسوسة عليه امر وارد] ورغم ان الدكتور قد ناقش التشريعات وارجعها الى ديانات سابقة يظن انها انتشرت في اليمامة -والعهدة عليه- بعضها آت من فارس كالمزدكية والمجوسية، وبعضها آت من الهند والروم كتعدد الالهة، الا انه يصر على فكرة ان يدس على مسيلمة شيء من هذا، واذا كانت الصعوبة انما تكن في الايات التي يتردد في كتب التاريخ نصوص لها، يدعي انها من الوحي الذي انزل عليه، ويقول عنها الدكتور [انها مما لا يعقل صدوره عن رجل استطاع ان يتبوأ الصدارة في قومه]، فهذه الصدارة المزعومة فيها نظر، والباحث لا يحدثنا عن مسيلمة الا عرضاً وفي مجال الدفاع عنه، ولم يذكر لنا شيئاً عن تاريخه ولا ثقافته، وذلك حتماً لان المصادر لا تسعفه بشيء مهم عنه في هذا الباب، وبحث الدكتور عن (قرآن مسيلمة) والذي ذكر لنا انه اعترض على عنوانه، وانه حوله الى (المدلول الاسطوري لدعوة مسيلمة بن حبيب الحنفي) مليء باقوال تحتاج الى مناقشة جادة، فهي لا تعتمد على مصادر موثوق بها سوى اشارة هنا واشارة هناك الى اقوال مستشرقين لا تجد لها ما يؤيدها في مصادر تاريخنا الاسلامي المعتبرة. وقد اعترض الكثيرون على محتوى البحث بمجرد ظهوره، وقد حاول الدكتور -رعاه الله- مراجعته ليكون مقبولاً، ولكن بقي فيه الكثير مما يوجب الاعتراض عليه، وقد وعد فيه الدكتور عدة لم تتحقق حين قال: [ان مثل دراسته هذه ستؤدي الى اعادة النظر في دعوة مسيلمة، وهي دراسة جديدة لم تطرق من قبل]، وعلق في الهامش [بان حركة مسيلمة ودعوته فسرت بتفاسير متعددة ومختلفة، وذلك راجع الى اختلاف نظر الدارسين لتلك الحركة والدعوة]، والحقيقة ان الدراسة لم ولن تؤدي الى اعادة النظر في هذه الدعوة الكاذبة، ففحواها ومحتواها لا يختلف باختلاف الدارسين، ولا لأي سبب آخر، فستظل في سياق ادعاءات النبوة الساذجة المصاحبة لها واللاحقة بعدها، وما سيأتي منها في مسقبل الايام، ولكن تأثيرها في الناس سيقتصر على حيز ضيق، تغيب عنه المعرفة واعمال العقل، وإننا لننتظر من الدكتور -وفقه الله- مراجعة جادة لبحثه وتجلية موقفه من مسيلمة الكذاب ودعوته فهل يفعل هو ما نرجو والله ولي التوفيق.