أعجبني تقرير أمس عن جمعية حماية المستهلك في السودان وتمنيت ابتعاث مجلس الجمعية بأكمله لأخذ دورة هناك والاستفادة من تجربة السودانيين في الحماية، لأن المشكلات متماثلة والاستغلال مستنسخ، لكنني اكتشفت أنني واهم، فالجمعية مشغولة بقضايا تأسيسية منها العمل على إنشاء إذاعة مستقلة، وربما تتفرغ، غداً، لبناء شبكة تلفزيونية لتصوير المخالفات والمداهمات ميدانياً، وقد تطالب بمساواتها بهيئة الأمر بالمعروف فتكون جهة ضبطية. وهي محتاجة إلى معاهد لتوعية المستهلكين بحقوقهم، وإلى لجان لتهذيب سلوك التجار وتعليمهم القيم النبيلة. حماية المستهلك تنوي، فيما يبدو، بناء شبكة جبارة من الوسائل والأدوات حتى تستطيع حال انطلاقها توفير الحماية الكاملة والأمان المستمر للمستهلك، وأن تقمع كل تجاوزات التجار. هذا المشروع لا أحد يعلم متى يتحقق كما هو الحال مع فكرة النهر العظيم للقذافي، فالأفكار العظيمة لا ترتهن للوقت. مشكلة حماية المستهلك أنها مثل القضية الفلسطينية مرتبكة ومتداخلة ومعقدة فلا حل لها. هذا هو حال الجمعية النشطة التي تمارس ضغطاً على الغرف التجارية لتمويلها من أجل العودة عليها ومعاقبة تجارها، وهو منطق صادم لاستحالته أولاً، ثم لاحتمالات انحراف الجمعية ثانياً لو وافقت الغرف التجارية، لأن الجمعية ستتحول إلى مجرد أجير للتجار. لم يحصل المستهلك على حماية حتى الآن لولا جهود الناشطين في المواقع الاجتماعية ثم حماس وزير التجارة توفيق الربيعة، أخيراً، للتشهير بالمخالفين، أما الجمعية، فهي مشغولة بالترتيب للمعركة الكبرى التي تحدث لأن ممولها هو خصمها. حماية المستهلك صورة مرعبة لمؤسسات المجتمع المدني، وأنموذج غير مشجع لها، فهي جمعية العيوب الظاهرة والباطنة، ولاتزال تدور ضمن الصراعات الفردية والطروحات النظرية وتعتاش على أحلام اليقظة لا قوة الفعل، فهل تآمر التجار على إفسادها وإشغالها بالصراعات الهامشية؟