اليوم الرمضاني بالنسبة إلى تليفزيوناتنا أوله فتيا وأوسطه دراما وآخره مسابقات، ففي كل رمضان يتصل مشاهد ما على المفتي الفضائي «يا شيخ بارك الله فيك أنا شربت ماء ساهياً وعن غير عمد ونسيت أنني صائم فهل علي شيء»؟ ويأتي الجواب نفسه على هذا السؤال العصي الذي تكرر فضائياً على الأقل في آخر عشرين رمضان مع الاختلافات البسيطة في عنوان المحطة وفي ديكور البرنامج وابتسامة المفتي، وهكذا كل قناة تتسابق في إجابة هذا الإنسان (النسّاي) حتى ينقضي النهار ثم تبدأ الكوميديا الخفيفة والدراما!. ومع أن وجود برامج الفتيا مقبول ومبرر في هذا الشهر فإنني لا أعرف سبباً حقيقياً يجعل التليفزيونات العربية تقاتل من أجل أن تحول شهر الخيرات إلى شهر للدراما والمسابقات ولا أعرف سبباً آخر – غير المال طبعاً – يجعل مخرجا عبقريا أو فنانا مدهشا يؤجل توقيت عرض أعماله إلى شهر رمضان، فالمحطات قد جعلت من رمضان شهرا للمزايدة المالية على أجر الأعمال التليفزيونية، حتى لو فرضنا أن رمضان في حساباتهم هو الموسم وهو شهر التليفزيون فالأعمال الناجحة قادرة على أن تصنع مواسمها في أي وقت وفي أي شهر. في المقابل هناك ألف سبب لمسلسل متواضع وكوميديا مملة أن تشتعل في رمضان لكونها قائمة فقط على اعتماد مالي من وزارات الإعلام لتليفزيوناتها الحكومية فهي تبحث عن المادة أيضاً، حتى أن هذه الحالة – الاعتماد المالي – خلقت كائنات رمضانية اختارت تليفزيوناتنا لتعيش فيها طيلة الشهر الكريم ثم لتغيب بعد ذلك أحد عشر شهراً دون أن يفتقدها أحد وقد تحولت خلال هذه المدة إلى أشياء أخرى لا علاقة لها بالتليفزيون فضلاً عن أن يكون لها علاقة بالدراما أو الكوميديا، وهذه الطريقة بالذات وفي التليفزيون السعودي تحديداً هي بمثابة الباب الصغير الذي يدخل منه الكوميديان ليغادره مبكراً إلى محطة تليفزيونية أخرى. في برامج المسابقات لم يبق طريقة لم تبتكر في هذا الشهر والكل يدّعي أنه يعطي المشاهد وهو في الحقيقة يأخذ منه، فقط اتصل أو أرسل لنمنحك المزيد من الثقة ومذيع – أو مذيعة – يعطيك الشعور بأنك أخوه الذي لم تلده أمه وهو جاد في أن يعطيك كل ميزانية البرنامج حتى أنك تستغرب من غباء المحطة التي وظفت هذا المذيع المبذّر في أموالها مقابل هذه الأسئلة السهلة التي يستطيع هو أن يتبرّع في إجابتها نيابة عنك على الهواء مباشرة وبكل ثقة وهذه الثقة بالذات هي التي تجر الآلاف غيرك كي يقعوا ضحية مسابقات الشهر الكريم. في الأخير تخرج المحطات الناجحة بميزانية ضخمة من موارد الإعلان والمسابقات الرمضانية وتخطط على أقل من مهلها لنفس المشاهد في الأحد عشر شهراً المتبقية حتى أنها لا تعجز أن تقضي وقتها بمسلسل مترجم واحد عدد حلقاته يكفي كي تعود إلى عزيزها المشاهد في رمضانه القادم فتجده بكامل لياقته!