يجمع كل المراقبين على القول إنه ما كان لإيران أو لتركيا أن تلعبا الدور الذي تلعباه الآن وأن تحتل كل منهما الموقع الذي تحتله على الخارطة السياسية في منطقة الشرق الأوسط لولا ضعف التضامن العربي ولولا التباعد السابق لمصر عن قطب العالم العربي والإسلامي المملكة العربية السعودية. فمع اندلاع الربيع العربي في مصر بدا أن الشارع هو الذي كان يتحكم بعلاقات مصر العربية والدولية لأن نظام حسني مبارك الذي كان ضابطاً للإيقاعات قد انهار بأكمله وخرجت إلى العلن قيادات انشغلت بشكل كامل بالوضع الداخلي من حيث الصراع بين طرفين أحدهما ليبرالي وآخر سلفي وكل منهما يعد نفسه أنه هو من اشعل الثورة وهو الأجدر بإدارة شؤون البلاد. ولكن الانتخابات البرلمانية التي جرت والتي هي محل تشكيك عند البعض، ومن ثم الانتخابات الرئاسية التي أثمرت عن نجاح المرشح محمد مرسي قد أظهرت صورة الجهة التي ستدير شؤون البلاد خلال المرحلة المقبلة. وبما أن المملكة العربية السعودية تعد نفسها معنية بما يجري في مصر فقد وقفت تراقب التطورات وتبدي الملاحظات من بعيد مخافة أن تنحرف القاهرة عن موقعها العروبي وأن تبتعد عن الثنائية الفاعلة التي تشكلها مع الرياض. وحصلت خلال هذه الفترة أزمة عابرة حين خرجت تظاهرات معادية للمملكة للمطالبة بالإفراج عن محامٍ مصري متهم بتهريب حبوب الأدوية المخدرة الأمر الذي دفع بالرياض إلى إقفال سفارتها في القاهرة وقنصليتيها في الإسكندرية والسويس في إبريل من العام الجاري. ولقد استدرك المجلس العسكري المصري خطورة ما يجري فقام المشير طنطاوي بزيارة عاجلة إلى الرياض للحد من حجم الخلافات ولتوضيح الموقف الحقيقي لمصر، وهذا ما ساهم بعودة العلاقات إلى مجاريها الطبيعية. ومن ثم جاءت مؤخراً زيارة الرئيس محمد مرسي إلى جدة ولقائه مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتؤكد أن ما جرى كان غيمة عابرة وأن الدولتين تتكاملان في حماية مصالح العرب وفي الدفاع عنها، كما تتكاملان على المستوى الإسلامي حيث عد محمد مرسي أن المملكة العربية السعودية تمثل الإسلام الوسطي ومصر هي الحامية لهذا المشروع. وبذلك يكون مرسي قد قرر تحديد موقع مصر العربي في ظل التجاذبات الحاصلة في المنطقة حيث تعد إيران نفسها أنها هي من أشعل فتيل الثورات العربية فيما تركيا تعد نفسها مثالاً يحتذى في انتهاج الإسلام المعتدل. وتدرك مصر اليوم أن بإمكانها الاستغناء عن أي تحالف مع إيران أو مع تركيا ولكن من الصعب عليها الابتعاد عن المملكة العربية السعودية لأن هذه الأخيرة تحتضن 1.65 مليون عامل مصري، ولأن العلاقات التجارية بين البلدين وصلت قيمتها إلى 4.75 مليار دولار عام 2011 مقابل 4.1 مليار دولار عام 2010، فيما الاستثمارات السعودية في مصر هي بحدود 7.2 مليار دولار. يضاف إلى ذلك المساعدات التي تقدمها المملكة العربية السعودية إلى مصر التي كان آخرها هو قرض بقيمة مليار دولار تم إيداعه في المصرف المركزي لمدة ثماني سنوات. وقد تكون زيارة مرسي إلى جدة التي هي الأولى له -كرئيس- خارج البلاد قد نجحت في إعادة وضع اللبنة التأسيسية لعلاقات جديدة، ولكن الأمور يجب أن تأخذ المنحى الفعلي من خلال ما ستمارسه السلطات المصرية مستقبلاً، حيث هناك تحديات عدة تنتظر تعيين موقفها منها مثل ملف النزاع الخليجي – الإيراني، والملف السوري ومدى تقاربها أو ابتعادها عن المشروع التركي. وبما أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة فمن الممكن اعتبار خطوة مرسي مجرد بداية على الطريق الصحيح.