يثير النفوذ الإيراني في العراق على الصعيدين السياسي والاقتصادي جدلاً متواصلاً بين القوى السياسية، ففيما يرى ائتلاف دولة القانون، الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي، أنه من اللازم تقوية العلاقات مع طهران وعدم المبالغة في التهويل من محاولاتها في السيطرة على القرار العراقي، تعتقد القائمة العراقية أن إيران تتدخل بشكلٍ واضح في العراق. تقرير أمريكي ويتزامن هذا الجدل مع ظهور دراسات وأبحاث أمريكية تؤكد أن واشنطن تسعى إلى منافسة طهران على النفوذ في العراق. ويقول الباحث الأمريكي المتخصص في الشؤون العراقية بمركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن، أنتوني كوردسمان، إن «إيران تضغط على العراق لدعم الأهداف الإيرانية في المنطقة والحفاظ على نظام بشار الأسد لإبقائه على قيد الحياة في سوريا، كما يُستَخدَم العراق اليوم كرهينة في ظل تنافس الولاياتالمتحدة ضد إيران في الخليج، وعلى الأرجح سيؤدي ذلك إلى مشكلات كبيرة في العراق خصوصا أنه فقد تقريبا قدراته العسكرية للدفاع عن نفسه ضد إيران، نتيجة للغزو الأمريكي في العام 2003». واعتبر التقرير أن «على الولاياتالمتحدة القيام بما في وسعها، لمواجهة الواقع المؤلم للمنافسة الجارية مع إيران داخل العراق، حيث تمتلك كل من الولاياتالمتحدةوإيران تحديات مختلفة ورغبة جامحة لتحقيق مصالحهما في العراق، فضلا عن المنافسة الاستراتيجية الجارية بينهما». مواقف برلمانية ويرى نواب عراقيون في ائتلاف دولة القانون، الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي، أن العلاقات العراقية الإيرانية تحتاج إلى تحليل موضوعي، مقابل رفض صارخ تعلنه القائمة العراقية لهذا النفوذ ومحاولة كردية لتفهم أين تقع مصلحة العراق أو مصالح إقليمهم. وفي هذا السياق، يجد النائب عن التحالف الكردستاني، محما خليل، أن المشكلات والأزمات الموجودة بين الكتل السياسية هي التي دفعت إيران وغيرها من الدول إلى التدخل في الشأن العراقي الداخلي، مشيرا إلى أن الدول المجاورة والإقليمية لها أجندات خاصة تُنفَّذها على الساحة العراقية لحماية مصالحها. وأضاف خليل «بدأت الكتل السياسية تعمل على إيقاف هذا التدخل، وتجلَّى ذلك في رفضها تمرير قانون تبادل السجناء بين الحكومتين العراقية والإيرانية. بدورها، تعتقد القيادية في القائمة العراقية، النائب لقاء وردي، أن نفوذ إيران في العراق يقوم على علاقاتها ببعض الأحزاب الشيعية، في إشارة ضمنية إلى رئيس الوزراء نوري المالكي وحزب الدعوة الإسلامية الذي يتزعمه. وقالت «إن بعض الأحزاب العراقية لها امتداد سياسي في إيران، والزيارات المكوكية لبعض الساسة إلى إيران دليل على أن القرار الإيراني له تاثير في الشأن الداخلي العراقي». وشددت على أن تصريحات السفير الإيراني وقائد فيلق القدسالإيراني في الشؤون السياسية، وبالتحديد في موضوع إنشاء الأقاليم، خير دليل على التدخل الإيراني في العراق. واعتبرت وردي أن إيران ترى أنها راعية لطائفة معينة في البلدان العربية والإسلامية، وأحيانا تطلق تصريحات معينة، لكي تؤثر في رأي بعض الساسة العراقيين المؤيدين لها، بشأن دعم انتفاضة في إحدى الدول العربية، والتنديد بأخرى لأن هذه الدولة حليفة لها». وأكدت وردي «أن الشعب العراقي يرفض هذه التدخلات والتوجهات الإيرانية السياسية بشأن العراق، ولكن بعض الساسة العراقيين المنتمين إلى الأحزاب التي لديها امتداد داخل الأراضي الإيرانية، يفرضون قراراتهم على الشعب العراقي». في المقابل، قال النائب عن ائتلاف دولة القانون، خالد الأسدي، إن العراق ليس طفلا صغيرا ليبحث عن وصي أمريكي أو إيراني. وأضاف «بعد تغيير النظام أصبح للعراق حكومة منتخبة، ومؤسسات دستورية، وبرلمان فاعل، ورجال وطنيون، ولهذا لا يسمح لأحد أن يكون وصيا عليه، أو يتدخل في الشؤون الداخلية للبلد». وأكمل «من مصلحة العراق أن تكون له علاقات متميزة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفي الوقت نفسه، يحرص العراق على تقوية علاقاته مع إيران، لأنها الجارة الأكثر حدودا، وتأثيرا وتأثرا على المستوى الاقتصادي والأمني والاجتماعي»، مبينا «أن العراق يسعى إلى أن يلعب دوراً للتخفيف من التوتر بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوإيران». هذه الاختلافات في الآراء تتزامن مع حقائق مفادها أن النفوذ الإيراني وصل حتى إلى استثمار دور السينما المتوقفة عن العمل في بغداد وبقية المحافظات، حسب بيان رسمي لوزارة الثقافة العراقية، كما أن تدريب موظفي الدولة في أغلب القطاعات الاقتصادية والخدمية يتم في الدوائر الإيرانية النظيرة فضلا عن عقود خدمية في مجال الكهرباء وتبادل الخدمات السياحية من خلال اتفاقية أُبرِمَت مع الوقف الشيعي، كل ذلك جعل التبادل التجاري بين البلدين يصل إلى حوالى 12 مليار دولار سنويا. قوى ناعمة ويرى مراقبون للنفوذ الإيراني في العراق أن طهران تستخدم نظرية «القوة الناعمة» لبسط نفوذها في العراق عبر دعم العلاقات الاقتصادية المتبادلة، ودعم المرجعيةِ الشيعية في النجف، والتأثير على الرأي العام العراقي عن طريقِ وسائل الإعلام، حيث إن هناك عددا من الصحف تصدر بتمويل إيراني فضلا عن مؤسسات للإنتاج الفني وصحف ووسائل إعلام تابعة للأحزاب الموالية لإيران.