كنت أظن أن الهوس بأفعال التفضيل مثل أول وأفضل وأكبر وأحدث من خصوصياتنا التي نزيد بها وغيرنا ينقص، وعزز ذلك أننا صرنا زبائن دائمين للعم جينيس بأكبر طبق كبسة وأطول ساندويتش شاورما وأكبر علم وأخيراً أطول مائدة مع أني أرى أنها من حق إخواننا الشراقوة لأنهم عزموا القطار، ثم دخلنا في سباق أوليات ترتيب الجامعات وبدلاً من أن نعمل بهدوء على أن نكون أفضل من غيرنا ونحتل مراكز متقدمة من خلال النتائج الملموسة أصبح الهدف مايكروفونياً عبر وسائل الإعلام وليس على أرض الواقع، فصرنا نتبادل التهاني ونرفع التبريكات أننا وصلنا إلى الترتيب كذا دون أن نسند ذلك بمبررات منطقية ومقنعة لما وصلنا إليه، واستهلكنا في وسائل إعلامنا كلاماً كثيراً عن الترتيب يفوق ما يفترض أن نناقشه عن المخرجات والجودة، ثم وصل الأمر إلى الحديث عن الترتيب المستقبلي أننا سنصل في السنوات القادمة إلى أفضل عشرين جهازاً حكومياً في مجال معين على مستوى العالم بينما الواقع الحالي يحمل الكثير من المشكلات التي فاحت وعمت وبدلاً من معالجة مشكلاتنا الحالية نطلق تصريحاً ساخناً كأجواء صيفنا أننا سنكون أفضل عشرين بعد خمس سنوات. غير أن الهوس بأفعال التفضيل لم يعد خصوصية لنا ،فإخواننا المصريون يعيشون نفس حالتنا وخاصة في ترتيب الجامعات فهناك من يصرح أن جامعة القاهرة الثانية عربياً والسادسة إفريقياً في تصنيف لتفاجأ أنها في تصنيف آخر في يوليو 2011م تحمل الرقم 2934 عالمياً، وجامعة المنصورة التي تناقلت المواقع حصولها على المركز 15 عالمياً تفاجأ أنها في المرتبة 18 إفريقياً والمرتبة 4002 عالمياً، وبين هذه الأرقام يثور جدل طويل لا طائل تحته والأجدى منه أن تعمل الجامعات بحكم طبيعة تكوينها بهدوء وصمت ووفق استراتيجيات حقيقية في البناء وقيادة المجتمع بعيداً عن طبول التصنيف وهوس الترتيب، ولعل أحد المعلقين المصريين قارب الحقيقة عندما ذكر أن الجامعات الألمانية تمثل دائماً ترتيباً منخفضاً في هذه القوائم العجيبة على الرغم من أن نتاجها في العلوم والتكنولوجيا يفوق الأعلى منها ترتيباً.