كل عام ورمضان يأتي ليفتح بوابة الأمل من جديد، تعد نفسك بكثير من التغيير والتجديد، وتعدها أن تصبح أكثر قرباً إلى الله وأكثر رشاقة، فرمضان فيه ليلة خير من ألف شهر، وصيامه بالإضافة إلى الأجر فرصة للتخلص من خارطة الشحوم التي تشكلت على جسمك وجعلته ثلاثي الأبعاد، عاهدت نفسك على هذا وقلت في أول الأمر إنك ستختم القرآن أكثر من مرّة ثم مضت العشر الأولى وكنت في السورة الأولى، ومضت العشر الثانية وأنت في الأجزاء الأولى، ومضى نصف العشر الأخيرة وانشغلت أكثر بالتسوّق، ثم لم يكن أمامك إلا أن تقنع نفسك كي تعود لقراءة قصار السور حتى لا تغيب عن الذاكرة ويطويها النسيان أيضاً، وهكذا في كل عام، حاولت كثيراً في (رمضانات) الأعوام السابقة لكنك لم تنجح، انكشفتَ أمام نفسك أكثر من مرّة، لكنك لم تعترف، يمضي العمر وأنت في كل عام ترفع لافتة الأمل (اللهم بلغنا رمضان) ويستجيب الله دعاءك ويعود رمضان وأنت بكامل صحتك وعافيتك ويمضي وأنت بكاملها أيضاً ولا جديد إلا الدعاء كي تبلغ رمضان الذي يليه! تشعر بذنب تفريطك وأنت تودع رمضان وتظهر في رأسك فكرة مخيفة أن رمضان المقبل سيأتي بدونك لكنك تبعد الفكرة سريعاً وتردد اللهم تجاوز عن خطايانا وتقبل منا وتتبعها بدعاء الأمل من جديد اللهم بلغنا رمضان مع شعور بالحسرة هذه المرّة مصدره صوت خفي بداخلك نتيجة إحساسك بالتفريط في شهر الخيرات الذي مر أمامك وأنت عاجز عن تنفيذ ما وعدت به نفسك. يأتي العيد ومشاعرك تتمرجح ما بين الفرح والإحساس بالتقصير ثم ينقضي لتعود أيامك كما كانت بكل ما فيها من تكرار وتشابه. تقلّب رزنامة رمضان الذي فاتك للتو وتكتشف أنك وقعت أسيراً لشهر آخر غير الشهر الذي كنت تخطط له، وتجد نفسك قد وقعت أسيراً لشهر التلفزيون الذي استفاق بعد سبات طويل، ولجلسات السهر مع الأصدقاء أنفسهم كما قبل رمضان، اللهم مع تعديل كثير طال لائحة الطعام والحلويات، وأهدرت مزيداً من الوقت لإغراءات التسوّق الذي توهمك فيه الأسواق طوال الشهر الفضيل، تعود للحصيلة فتجد نفسك لم تتزود إلا بالقليل. كل هذا حدث لك في الأعوام السابقة وسيحدث في هذا العام بالتأكيد، فأنت لم تتغير ومازلت تملك نفس الوعود ونفس الأمل، ونفس أسباب الإفراط والتفريط، توقف واسأل نفسك لماذا لم يغيّرك شيء طوال هذه السنين، طبعاً الخلل ليس في رمضان فهو يعود ومعه سنته وفضله دائماً وهو لم يتغيّر ولن يتغير، أنت الذي تريد التغيير وتعجز عنه لكنك لا تريد الاعتراف بذلك. الآن رمضان عاد بكل ما فيه من فضل وخير ومغفرة وعتق من النار، وهو عمل بينك أنت وبين الله، أعِد ترتيب وعودك لنفسك مرّة أخرى ولا تتنازل عنها، وتذكر أن رمضان المقبل قد يعود بدونك.