خلال مشاركتي في اجتماعات (اللجنة الاستشارية المستقلة لتطوير العمل العربي المشترك) -التي افتتحها في مسقط- معالي يوسف بن علوي عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في (سلطنة عمان)، تحلّق صحفيون عمانيون حول الوزير وسألوه عن مصير الاتحاد الخليجي فردَّ معاليه: «لا يوجد اتحاد» مشيراً إلى أن الاتحاد لم يبق إلا لدى الصحفيين، وأن اللجنة المشكلة لدراسة المشروع قد انتهت.وفي نفس الصفحة من جريدة (عمان) نُشر تصريح للأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبداللطيف الزياني يقول فيه: «إن الاجتماع الوزاري (عُقد في جدة يوم الثلاثاء 5 يونية الماضي)، سيستعرض عدداً من المذكرات والتقارير، ومن أهمها ما يتعلق بمقترح خادم الحرمين الشريفين بشأن الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد».يبدو لنا أن هذين الموقفين متناقضان؛ لأن الشعور العام الذي ساد القمة التشاورية التي عُقدت في الرياض في شهر مايو الماضي كان واضحاً، وأنه تم «ترحيل» موضوع الاتحاد دون أن يُعلن شيءٌ مفصلي بشأنه. حيث عُرض في تلك القمة تقرير اللجنة المكلفة (ثلاثة أعضاء من كل دولة) بدراسة المشروع. وكان الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في (سلطنة عمان) قد أعلن قبل تلك القمة أن بلاده تفضّل الإبقاء على صيغة (التعاون) في هذه المرحلة. كما لم يترشّح عن القمة التشاورية أي موقف للدول الأخرى، سوى ما تم إعلانه من موقف مملكة البحرين لقيام الاتحاد وضرورته، وهذا ما يدعونا للتصريح بأن (الاتحاد) قد دخل نفقاً مظلماً.وقد ثارت عدة حوارات ساخنة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول مشروع الاتحاد. ففي حين كانت هنالك «اندفاعات» نحو التعجيل بإعلان الاتحاد وتضخيم دورهِ للمرحلة المقبلة من بعض الأفراد الذين يرون فيه الملجأ من حدوث أية اهتزازات أمنية في المنطقة، خصوصاً ما تعلق بالتهديدات الإيرانية المستمرة لبعض دول المنطقة وحلفائها الغربيين، وكان آخرها تصريح الجنرال (يحيي رحيم صفوي) القائد السابق للحرس الثوري ومستشار الرئيس الإيراني (على خامنئي) حول مخاطر أي هجوم أمريكي/ إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية، حيث قال «إن الرد سيكون متناسباً وحجم الضرر»!. وذكر (صفوي)، «ليس لدينا إمكان الوصول إلى أراضي الولاياتالمتحدة، ولكن هناك عشرين قاعدة أمريكية وأكثرمن مائة ألف جندي أمريكي في المنطقة يمكن أن تصل إليهم إيران»، وأضاف: «الأمريكيون يعرفون جيداً أن سفنهم الستين في الخليج وبحر عمان مهددة، وأن كل قواعدهم في مرمى صواريخنا».وهذا التهديد ليس مُبطناً، بل يقصد به دولاً خليجية، ويقصد به تعطيل الملاحة في الخليج، واستفزاز أمريكا، وغيرها من الأمور التي قد تعقّد انسياب تدفق النفط إلى الأسواق العالمية. من جانب آخر، فإن المفكرين في الخليج يرون أن التروي في مشروع (الاتحاد)، وهو موقف صدرَ عن وزير الخارجية السعودي، خلال مؤتمر صحفي بعد القمة التشاورية بالرياض، بأنه ما زالت هنالك نقاط في تقرير اللجنة تحتاج إلى تفسير. وحتى لو فهمنا من ذلك أنه (لغة دبلوماسية) لتأجيل المشروع، فإنه بلا شك موقف إيجابي يُجنبنا الاندفاع العاطفي الذي قد لا يتلاءم مع المرحلة المقبلة، وأن مسيرة (التعاون) التي جاوزت عامها الحادي والثلاثين ما زال يكتنفها بعضُ الغموض والمواقف التي أجَلَّت بعضَ المشروعات كالعملة الموحدة والسوق الخليجية والمواطنة الخليجية. الإشكالية اليوم أن سيلَ الاتهامات وعبارات «التخوين» أصبحت تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأن أي كاتب أو مفكر لا يحبذ قيام (الاتحاد) الآن؛ فهو «مهادن» لإيران أو حتى «خائن» لخليجيته أو عروبته. وهذا موقف ما كنا نودّ أن نسمعه من الشباب الخليجي، لأن العقلانية ودراسة أوضاع جميع بلدان الخليج وتحليل مواقفهم أمر مهم في التطلع لأية مشروعات وحدوية. مهما اتفقنا على وحدة المصير المشترك وتذرعنا بالتاريخ المشترك، ووحدة الآمال والمصير، وغيرها من الكلمات العاطفية التي واكبت قيام مجلس التعاون، التي لا يجوز الأخذ بها في المشروعات المتعلقة بحياة الشعوب. نحن نقر بأن هنالك دولا خليجية «متحمسة» ل(الاتحاد)، بل وتوجد نسبة ليست بالقليلة من الشعوب أيضاً تحبّذ قيامه. ويربط هؤلاء الموقفَ بالوضع الإقليمي والدولي تجاه منطقة الخليج، مُستحضرين كارثة (احتلال صدام حسين للكويت عام 1990) وأن (الاتحاد) سيكون درعاً قوية ضد أية أخطار مماثلة، كما يرى الأخ (سامي النصف) من الكويت، وأن (الاتحاد): «سيحافظ على المكاسب السياسية والاجتماعية والاقتصادية لدوله وشعوبه، ولن يضحيَّ أحدٌ بديمقراطيته أو انفتاحه الاجتماعي ضمن تلك الوحدة، ولدينا تجربة اتحاد الإمارات، الذي يضم (الشارقة) ذات التوجه الإسلامي المُحافظ، و(دبي) ذات التوجه الليبرالي المُنفتح، دون أن يفرض (الاتحادُ) نمطاً واحداً عليهم». كما يُطمئن (النصف) الخليجيين بأن «الوحدة لا تعني هيمنة دولة على باقي دول (الاتحاد)، بحسب الحجم، حيث إن الوحدة ستقوم على مساواة دولهِ في الحقوق والواجبات، كما تساوى ألمانيا ولوكسمبرج في الاتحاد الأوروبي. ويخلصُ (النصف) إلى أن «دولنا الخليجية أقرب ما تكون هذه الأيام لحال دويلات الطوائف في الأندلس، التي تسبّب تفرقُها في تساقط ممالكها تباعاً، وطرد شعوبها العربية من بلدانها التي تجاوز عمرها 800 عام، أي أكثر من ثلاثة أضعاف عمر دولنا الخليجية». وقد نختلف مع صديقنا (النصف) في تحليله الآخير، لأن وضع العرب في الأندلس يختلف كلية، تاريخياً وطبوغرافيا وعرقياً وسياسياً عن وضع الدول الخليجية، كما نختلف معه في قضية السيادات، و«تبسيطهِ» لموضوع حجم الدول، وسياساتها الخارجية، ونمطية التعامل مع الأمور، و«تغاضيه» عن المزاج السياسي الذي يرتبط بذاكرة المكان، ودور الأحداث السابقة في المنطقة في تشكيل ذاك المزاج. نعم، سيادات الدول مهمة، مكتسبات الشعوب مهمة، وعي الشعوب مهم، نضال الشعوب من أجل الديمقراطية، تفاوت حرية الرأي، تفاوت التشريعات، تفاوت حرية الفكر، وجود «جماعات» الضغط الاجتماعي والديني، كل ذلك يؤثر على مشروع (الاتحاد)، بل وقد تكون تلك التفاوتات مصدر انهيار (الاتحاد) -لا سمح الله- لو قام.