سامي جريدي يقدم الباحث سامي جريدي ما يعتبره أول دراسة في فن الكتابة على الجدران من “زوايا أدبية وفنية” ، معتبرا أن النصوص البصرية للكتابة والرسوم والخربشة على الجدران مفتاح مهم لدراسة المجتمع والفن والثقافات، بخاصة تلك التي تخفيها الرموز والقصص والإشارات. ويقول سامي جريدي إنه منذ عام 2006 أخذ على عاتقه تصوير الرسوم والكتابات وجمعها في أغلب المدن حتى وجد نفسه يغوص في أعماق الحواري وأزقتها وشوارعها الخلفية والسرية ليكتشف المواقع التي تكثر فيها الكتابة على الجدران ويقوم بتصوير أغلب تلك الخربشات والكتابات والرسوم والإشارات الخطية مدونا كل ما يصادفه من شكل أو عبارة أو فكرة كما قام بعد ذلك بجمعها وتصنيفها والمقارنة بينها لاختيار ما يتعلق بموضوع دراسته عن فن الكتابة على الجدران. خطاب مهمش وفي ضوء التفسير الفلسفي للأشياء بدأ جريدي يتأمل الكتابات والرسوم على جدران الأحياء والبيوت وعبر الأماكن والطرقات، وكأنه يكتشف شيئا جديدا لنص مختلف، شيئا أكبر من كونه نصا. ويقول المؤلف عن كتابه الجديد ” الكتابة على الجدران” الصادر حديثا لدى وكالة الوزارة للشؤون الثقافية في وزارة الثقافة والإعلام، إن موضوع الكتاب لم يحظ بدراسة نقدية سابقة في الفن التشكيلي السعودي والثقافة البصرية الحديثة، التي كان من بينها هذا الكتاب الذي لم يسبق تناوله في كتاب مستقل وشامل، مبينا أنه حاول جاهدا تصوير وقراءة فن مهمش ومختلف يحمل في خطابه مضامين بصرية وسردية ومعرفية لها أكثر من رؤية وتأويل. أنساق ثقافية ويضيف سامي جريدي أن الفن الجرافيتي (الكتابة على الجدران) أصبح فنا مستقلا كغيره من الفنون البصرية له هويته وخصائصه ومضامينه الفنية الأخرى كالرسم والفن التشكيلي والنحت والتصوير الفوتوغرافي، الأمر الذي جعله يقرأه كفن مستقل له عوالمه ورؤاه. ويكشف أن لهذه الدراسة عدة أهداف من بينها ما يمكن قراءته في كون الكتابة على الجدران تمثل نصوصا سردية لها من البنى الدلالية للحكي، ما للقصص والروايات من بنى حكائية، فهي كتابات معبأة بحكايات وأشعار وأغان ٍ وأمثال وحكم ورسائل وأرقام تكتنز في معظمها لغة سردية من نوع خاص، كما تحاول هذه الدراسة أن تأخذ قضايا الخربشة والكتابة على الجدران من زوايا أدبية وفنية بخلاف الحال في معظم الأبحاث التي كانت منصبة على الجزء النفسي والتربوي فقط. ومن أهداف الدراسة أيضا أنها تبحث في الخطاب الثقافي والمعرفي الذي من شأنه النظر في مسائل المهمش والمنسي والمسكوت عنه ومدى ارتباطها بالأنساق الثقافية المضمرة، التي جعلت من هذه الرؤية بابا كبيرا للولوج إلى منطقة جديدة تسمى النقد الثقافي البصري. الدراسة التي جاءت في تسعين صفحة وضمت أكثر من 63 شكلا من أشكال الكتابة على الجدران، تكونت من ثلاثة أبواب، الباب الأول جاء بعنوان مفهوم الكتابة من الرمز إلى ذهنية الكبت، وتناول الباب الثاني موضوع “الشفرة السردية للنسق الثقافي “، فيما خصص الباب الثالث لموضوع ” حضور الكتابة على الجدران في الرواية”. شفرات سردية ويسجل الباحث في خاتمة الدراسة ” أن للمهمشين لغتهم البصرية وشفراتهم السردية، تلك التي تجمع ما بين الفن واللا فن، وهي مع ذلك لغة لا تصل عادة إلى الأماكن التي تبتعد عن إدراك وجودهم، لكنهم مع ذلك ما يزالون يقومون بفعل الكتابة، يرسمون ويخربشون..”. وسامي جريدي هو ناقد وكاتب وفنان تشكيلي حاز العام الماضي على الجائزة الثالثة للبحث النقدي التشكيلي لدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة عن كتابه ” المفاهيمية في الفن التشكيلي السعودي ” ويعمل حاليا على أطروحة الدكتوراة في النقد الحديث، وصدر له سابقا ثلاثة مؤلفات هي: الرواية النسائية السعودية.. خطاب المرأة وتشكيل السرد، المفاهيمية في الفن التشكيلي السعودي، وتفسير آخر للخلاص.