دع القلق وابدأ الحياة، هذه الكلمات الأربع هي عنوان كتاب شاع ذكره وتكرر نشره لمؤلفه الأمريكي (دايل كارنيجي) جنباً إلى جنب مع كتاب آخر له سبق الأخير واشتهر أكثر وعنوانه (كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس). أذكر هذا الكتاب لمعنى تدفق في نفسي البارحة من وصايا هذا الرجل. وكلا الكتابين يُنصح باقتنائه وقراءته بدقة وتمعن. يقول الرجل في نصائحه الفذة عن قتل القلق والهواجس هذه القاعدة الذهبية: تصور الأسوأ واستعد لذلك واحسب حساباتك بموجب هذا فلسوف ترتاح! لقد اتصل بي أخ فاضل قبل يومين ينقل لي خبراً نصف سئ عن غدر الناس وأحقادهم وتربصاتهم. التفت إلى زوجتي وقلت لها سوف أحكي لك قصة كتاب كارنيجي عن قتل القلق، ثم سردت لها قاعدة هذا الرجل. قالت لي سائلة كيف نطبق هذا المبدأ؟ قلت لها هناك عندي قاعدة معدلة عن قاعدة الرجل وقد تكون أفضل منها وجوهرها من حديث المصطفى (صلى الله عليه وسلم) عن التفاؤل بالخير فيجده الإنسان. القاعدة التي طورتها أو أنقلها هي: تفاءل بالأفضل واستعد للأسوأ. أعتقد أن هذه القاعدة مريحة جداً في استقبال الحالات السيئة وتوقعها بما فيها الموت.هناك قواعد نفسية مكررة في القرآن عن أعظم شعورين يصيبان المرء بالشلل؛ الحزن والخوف. وهما التجمد في مربع الماضي والقلق من المستقبل لشيء لم يتشكل بعد.الحزن هو على ما مرّ ويندم فيه الإنسان أنه لو فعل كذا لكان أفضل وهو يقترب من قصة جرة العسل التي خرت على وجه الراعي وهو يتخيل أشياء كثيرة سوف يحققها في الخيال لا أكثر ثم يهوي بعصاه على جرة عسل معلقة فوق رأسه فيخسر آخر ما يملك.قاعدة توقع الأسوأ والاستعداد له يشوبها قاعدة نفسية أخرى تقول: ليس توقع الشيء مثل مواجهته. ذكرت لي زوجتي قبل يومين خبر شاب سلامي من شراكسة الجولان وهم أناس من القفقاس قاتل أجدادهم القياصرة قرنين من الزمن، ولذا فتجد راقصيهم في حفلة (الجكو= الرقص الشركسي) وهم مسلحون بالخنجر ويسمونه (القامة) وكذلك فشكات الرصاص المعلقة في صدروهم، بالإضافة إلى اللباس العسكري الأسود. ذكرت لي أنه لن يفعل شيئاً للشبيحة في سوريا لو دخلوا بيته وهتكوا عرضه وقتلوا طفله! قلت لها توقع الشيء غير مواجهة الشيء، وما سيشهد لصحة أفكاره وصمودها عنده إذا حل به هذا المصاب الجلل كما وقع لأهل حمص الأبطال. أذكر عن الفيلسوف نيتشه قولاً جميلاً: التفاؤل سطحية وسذاجة والتشاؤم علامة انحطاط والولادة السليمة هي من رحم المعاناة وكذلك هي ولادة الأفكار والثورات والمجتمعات والحضارات.