هذه الفكرة (جدلية الحرية والاستغناء) استفدتها من المخرج السينمائي (العقاد) الذي أنتج فيلم (الرسالة) و (عمر المختار) رحمه الله، فقد انتهت حياته في عمل إرهابي في الأردن مع ابنته. وكان رحمه الله حريصا جدا على إنتاج فيلم عن (صلاح الدين الأيوبي) فوافته المنية ولم يسعفه أغنياء المسلمين في إنتاجه. كان الرجل أي العقاد الحلبي متعدد المواهب، وحين سئل عن إنتاجه الفني كان جوابه أن الإبداع تم لأنه لم يكن يخضع للابتزاز، فقد طارده كثير لإيقاف إنتاج الفيلم فكان يردد: لست تحت ضغط الحاجة المادية فأركع. هذا الجانب مهم جدا لنفسية الإنسان، وكثير ممن يعملون في قطاعات شتى يأكلون لقمة خبزهم ممزوجة بالكبد وأحيانا بالمذلة. أذكر جيدا عن عالم النفس (براين تريسي) حين يتحدث عن ستة شروط في الصحة النفسية يأتي في أحد بنودها الكفاية المالية (فضلا عن راحة البال والعلاقات الاجتماعية ووضوح الأهداف والفعالية). ثم يعقب الرجل فيقول قد لا تكون مائة ألف دولار كافية لأحدهم كدخل سنوي، ويكتفي آخر بعشرة آلاف دولار في العام الواحد. أي مبلغ قريب من أربعين ألف ريال. وأنا أعرف أناسا يعيشون بأقل من هذا المقدار في العام، لذا يركز براين تريسي على القناعة في الحياة ومصادر الدخل. أما نحن فنعيش ومعظمنا يخاف من الشيخوخة والضعف وقلة الإنتاج وفراغ الجيب. لقد فهمت الحديث عن علاقة الغنى بالقناعة أنه ليس الغنى عن كثرة العرض بل الغنى غنى النفس. نعم أدركت المعنى العميق للحديث الشريف حين انفتحت لي مشكاة من علم النفس وليست الأولى في هذا الفهم. فالغنى هو ليس بما تملك بل بما تستغني عنه. يروى عن سقراط أيضا قوله حين كان يمر في السوق، فيصيح ما أكثر الأغراض التي لست أنا في حاجة لها. وحين يتحدث عيسى بن مريم عن الحاجة المالية والتحرر من ضغط الحاجة يقول لا تهتموا بالغد بما تأكلون وما تشربون يكفي اليوم شره. انظروا إلى زنابق الحقل إنها تلبس أفضل من سليمان في مجده! ولكن من يفعل هذا يا ترى فلا يكنز الذهب والفضة ولا ينفقها في سبيل الله؟. إمكانية أن يعيش المرء الحياة يوما بيوم صعبة، فالقلق هو من القادم، والحزن هو على ما مضى، وهناك ندم في أشياء كثيرة. ومنه قال القرآن عن عباده الصالحين أنه سيريحهم من أكثر شعورين مريرين: الخوف والحزن. ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون.