بتاريخ 15 جون 2012م أعلن عن موت المفكر الفرنساوي (روجيه جارودي) عن عمر يناهز 98 عاماً وبذلك يكون معمِّر القرن بجدارة. بنفس الوقت أعلنت مجلة در شبيجل الألمانية عن موت (المقراحي) الليبي المتهم الأول بتفجير طائرة الجامبو بان أميريكان بتاريخ 21 ديسمبر 1988م فوق مدينة لوكربي الإسكتلندية التي راح ضحيتها 270 ضحية، التي كلفت القذافي المقذوف لاحقاً، بعد طول مطاردة ومحاصرة ومقاطعة دفع 2.7 مليار دولار تعويضات حرب عن جزية وهو صاغر. كان المقراحي محكوما بالمؤبد فلما تقدم إلى المحكمة أنه مصاب بالسرطان، وأن أيامه باتت معدودة وموته وشيكا، أطلقت سراحه السلطات البريطانية عام 2009م، ليشهد نهاية إمبراطورية سيده القذافي بعد نصب وعذاب فيموت ثلاث مرات بالشهقة والألم والحسرة وسوء المآل. مات الرجلان في وقت متقارب، فأما (روجيه جارودي) فعاش أكثر من المقراحي المسخوط أربعة عقود، وكتب أكثر من تسعين كتابا. ولمعرفة سيرة حياة جارودي فمن المهم أن نعلم أن الرجل بدأ حياته شيوعيا وانتهى صوفيا متدينا. ويذكر عن ظروف اعتناقه الإسلام هذه القصة: كان الرجل في معسكر اعتقال في الحرب العالمية الثانية بيد الفرنسيين المتعاونين مع حكومة فيشي العميلة للألمان. وكان معسكر الاعتقال في الصحراء الجزائرية. وفي يوم حصل شغب بين المعتقلين. مما أثار غضب ضابط المعتقل الفرنساوي فطلب منهم الانضباط والسكوت وإلا أطلق عليهم الرصاص؛ فلما أبوا أمر الجنود بفتح الرشاشات عليهم وقتلهم جملة وتفصيلا (كما يفعل شبيحة الأسد في سوريا). ولكن ما حدث كان مزلزلا؛ فقد رفض الجنود إطاعة الأوامر وقتل العزل. كان من عصى من الجنود من جزائريين يعرفون أن عصيان الأوامر العسكرية معناه الموت فوقفوا موقف سحرة موسى فقالوا لفرعون اقض ما أنت قاض. يقول جارودي إن ذلك المنظر من ذلك الجندي الجزائري المسلم غيَّر حياتي وتفكيري في ضربة واحدة. بعدها عكف جارودي على الإسلام فطلق المسيحية والمادية الشيوعية وأعلن إسلامه، وكان الرجل معروفا في الأوساط اليسارية الفرنسية. تابع جارودي الكتابة وأخرج عديدا من الكتب المهمة في نقض الماركسية المادية وكتب عن ارتقاء المرأة، ثم تجرأ الرجل فتحدث عن المحرقة اليهودية وشكك في الهولوكوست فقامت عليه قيامة بني صهيون. وتابعوه وسفهوا أقواله وأعلنوها حربا ضروسا ضده، صمد لها الرجل وذهب إلى المحاكم يدافع عن وجهة نظره. مات الرجل أخيراً كما مات المقراحي رئيس المخابرات الليبي. فأما جارودي فمات قرير العين هانيها، عمر حياته بتقوى الله وإحسان، وأما المقراحي رجل المخابرات من جند القذافي فيحشر مع سيده الآن يسأله من في السموات والأرض عن تلك الضحايا ولماذا قتلوا فوق لوكربي؟