دائماً ما تردّد ويتردّد على ألسنة الناس، أن فلاناً جَمَعَ ثروة طائلة في زمن قياسي قصير لم يتَعَدّ الشهر! وأن علاّناً عقد صفقة مشبوهة نَقَلَته من حالة ما يُعرف ب «عالأرض يا حَكَم»، إلى نادي الديناصورات الأثرياء، وأُشير إليه بأكثر من بنان وأكثر من بَنْك ومَصْرَف! بالمقابل، سَقَطَتْ وتبهدلت وتشرشحت كل صِيَغ ومراتب الرواتب والمعاشات المسكونة بهواجس «الحدّ الأدنى للأجور» وتعقيدات الضمان الصحي والشيخوخة.. وما إلى ذلك من أصناف وأنواع وألوان التسوّل الرسمي، والشحاذة الوطنية والذلّ الإنساني، والخيبة القوميّة، والهَوان التاريخي المزمن! في خضمّ ومعمعان هذه الحالة المتساقطة، والمتفاقمة من يوم إلى يوم، ومن جيل إلى جيل، وانتشار وتفشّي وباء أنفلونزا الفقر والبطالة والعَوز، اتّجهت الأمور والمصائر نحو الأسوأ والأردأ، ونحو الأبْأس والأشرس والأنحسْ والأنجسْ! وبما أن فلسفة ومنطق وفنون الكسب السريع شكَّلَتْ مجتمعةً السِمة المميزة والعلامة الفارقة و «اللوغو» الصارخ لهذا العصر. وبما أن جماعة الطبقة «الوسطى» قد تراجَعَت وانهزَمَت، والوساطات تصدَّرَت في كل مكان، وَبَرَزَ من يُتْقن هزّ ورجّ «الخصر» على مدار الساعة، وربما إلى قيام الساعة! انقسم العالم إلى معسكرين غير متكافئين هما: «أكثرية» ساحقة تعمل برواتب وأجور محدودة، و «أقلّية» لا حدود لها ولا ضوابط لتنامي ثرواتها. وبرغم بلاغة وبديع وبيان عديد من نصوص القوانين والشرائع والسُنن والأقوال المأثورة والعهود المحليّة والدولية والقبلية والعشائرية والعائلية، الصادرة عن مقامات أولي الأمر والنهي والألباب، التي تحرّم وتمنع ما يُسمّى بالإثراء غير المشروع، وتراقب صفقات «غسل الأموال»، وتستخدم أحدث الوسائل في تعقّب عمليات التهريب «المركّبة» سلفاً والمتّفق عليها عبر نقاط ومراكز الحدود البرية والبحرية والجوّية! ورصد ألاعيب النصب والغش والاحتيال، التي تفوح روائحها في دنيانا! وانطلاقاً من هذه الكبائر، ومن فداحة عدد الانهيارات المالية، والتردّي الاجتماعي الضارب أطنابه على نخيل وأرز وصنوبر وتين وزيتون وسنديان العرب! لجأ وهرع دراويش ومساكين المداخيل الصغيرة المحدودة إلى القيام بهجوم «نَوَوِي» لشراء ووَسْم قسائم «اللوتو» وأوراق اليانصيب، وذلك «عَشَماً» وأملاً بالخروج من ظلام ضيق العيش، حيث لا فكاك منه ولا خلاص إلاّ عبر ضربة حظ مفاجئة تقلب الأمور وتبدّل الأحوال، لأن الرهان على الأخلاق الحميدة، والشعور الإنساني «المنقرض»! وعلى مقترحات ومشروعات قوانين الإصلاحات الإدارية، ووعود وترشيد السياسات المالية، وانتظار حل مشكلة الشرق الأوسط، ستتطلّب منّا جميعاً نحن أهل «اليانصيب» البعيدين عن «النّصْب» و»المناصب»! أن ننتظر طويلاً وأن نتفكّر مليّاً للتفريق بين مفاهيم: الاستعمار والاستثمار والاستحمار! وبذلك، علينا أن نبذل العمر كلّه، والحبّ كله، وكلّه على كلّه، وإذا شفت المسؤول، «وحياة أبوك قُلُّو»!