تعرّضت سفينة عملاقة لعطلٍ أوقف محركاتها تماماً، وبعد دعوة أمهر المهندسين من كل جهة، وعجزهم عن إصلاحها، وتكبّد ملاك السفينة لخسائر طائلة، علم الملاك بوجود عامل كبيرٌ في السن أفنى حياته على متن هذه السفينة، وأنه من سيصلح هذا العطل! قاموا باستدعائه فوراً. أتى يحمل حقيبته الصغيرة، وبعد ساعاتٍ قليلة قضاها تجوالاً وفحصاً بين المحركات العملاقة للسفينة، توقّف عند منطقةٍ منها وأخرج مطرقته، وضربها عدة ضربات، ثم أمر بتشغيل المحركات، فكان أن اشتغلت وسط ذهول الجميع من حوله! وحينما طلب أتعابه (10 آلاف دولار) استكثرها عليه ملاك السفينة، وطلبوا منه تفصيلاً دقيقاً لهذه التكلفة المرتفعة! فرد عليهم بفاتورة صغيرة فيها: (1) استخدام المطرقة (دولارين فقط)، (2) معرفة أين تضرب بالمطرقة (9998 دولارا). اقتصادنا هو السفينة، وأعطاله كثيرة وإنْ رأيت سفينةً عملاقة المنظر، إلا أنها رابضةً على الميناء لا حراك فيها! معرفة أين الخلل؟ ومعرفة كيف إصلاحه؟ تظل هي الحل المفقود! واستمرار غيابه وتأخّر تنفيذه لأي سببٍ من الأسباب، نتيجته بقاء هذا (الفُلْك) العملاق مقيداً بالميناء، وعاجزاً عن أن يمخر عباب بحار التحديات والفرص من حوله. البطالة وضعف مردود سياسات التوطين، وضعف الإنتاج المحلي المتنوّع، وزيادة الاعتماد على النفط، واستنزاف الموارد المالية بصورةٍ مبالغ فيها على مشاريع البنى التحتية، وتضخّم القطاع الخاص إما اقتياتاً على المناقصات الحكومية، أو عبر الاستيراد بالجملة والبيع بالتجزئة دون عمقٍ إنتاجي؛ ودون خلقٍ حقيقي لفرص استثمار أو توظيف، وشلل السياسات النقدية أمام مستصغر شرر التضخم، وانخفاض القوة الشرائية للفرد، كل واحدةٍ منها بحاجةٍ إلى (مطرقة)! المحك الحقيقي (معرفة) أين يُضرب بهذه المطرقة؟! إنّي على يقينٍ تام أن هذه (المعرفة) مختزنةً بكامل عافيتها وصحتها في أدمغة أبناء وبنات هذا الوطن العظيم! ستبقى (مطرقتهم المحلية) داخل حقائبهم إلى أن يأذن الله لهم بمن يتذكّرها.