توفي الفنان المصري الكوميدي يوسف داود، صباح أمس الأحد، إثر وعكة صحية أدخلته مستشفى جمال عبدالناصر في مدينة الإسكندرية يوم الأربعاء الماضي، عن عمر ناهز ال 74 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض، وشيع جثمان الراحل ظهر أمس من الكنيسة المرقسية الإسكندرية في غياب كثير من نجوم الفن إضافة إلى الجمهور، نظراً لحالة القلق التي سيطرت على الشارع السكندري ترقباً لإعلان اسم أول رئيس منتخب في مصر بعد ثورة 25 يناير. وحينما لعب يوسف داود شخصية المصور العجوز «عم هلال» في فيلم «عسل أسود» مع أحمد حلمي عام 2010، بدا وكأنه يشعر بدنو أجله، من خلال حوار حمل بين طياته كثيرا من الشجن، والرغبة في التمسك بتراب هذا الوطن، رغم كل تناقضاته، ومعاناة أبنائه، التي وثقها على مدى حياته في عالم التصوير، بحيث يبدو وكأنه ذاكرة مصر التي واجه بها بطل الفيلم «مصري» في حوار طويل حينما رفضت السفارة الأمريكية منحه تأشيرة عودة باعتباره مواطناً أمريكياً، أكد له خلاله أن وجوده في مصر لن يزيدها شيئاً، وأن رحيله لن ينقصها شيئاً، فمصر لا تبكي ابناً عاقاً لها، ووضح جلياً في هذا الفيلم مدى النضج الفني الذي وصل له داود، رغم شهرته في عالم الكوميديا، إلا أنه جسد أروع حالات التراجيديا، بتجسيده شخصية المواطن المصري الأصيل الذي قرر أن يمد يده لبطل الفيلم «مصري»، بعد اتخاذ قرار البقاء في مصر، فمنحه محل التصوير الذي كان يملكه ليستكمل رحلة توثيق ذاكرة مصر. وقبل هذا الفيلم بثلاث سنوات، لعب يوسف داود شخصية تحمل كثيراً من الرومانسية الممزوجة بالشجن، في فيلم «في شقة مصر الجديدة» للمخرج محمد خان، فقد ارتدى عباءة «عم شفيق»، الرجل العجوز الذي ظل ينتظر حبيبته «تهاني» التي هجرته للأبد دون أن يفقد يوماً الأمل في عودتها، حتى إذا عادت لم يجد أمامه سوى أن يرسل لها أغنية «فات الميعاد» لأم كلثوم، وهي كلها أدوار بدا من خلالها يوسف داود وكأنه يدرك أن رحلته الفنية تقترب من «تتر» النهاية، رغم شهرته الواسعة في عالم الكوميديا، التي أثقلها تكوينه الجسماني الضخم، وحاجباه الشهيران، وصلعته البارزة، وضحكته التي استغلها كل مخرجي المسرح، والدراما التليفزيونية، بحيث أطلق عليه النقاد والفنانون لقب «مهندس الضحك»، استلهاماً من واقع حياته قبل دخوله عالم التمثيل، حيث ولد يوسف جرجس صليب في ال10 من مارس عام 1938 في قرية «سيوف شماعة» في مدينة الإسكندرية، وتخرج في كلية الهندسة قسم الكهرباء عام 1960، وعمل في مهنة الهندسة حتى عام 1985، أي أنه ظل بعيداً عن عالم السينما لمدة 25 عاماً، ليقرر بعدها أن يخترق عالم التمثيل، من بوابة السينما وهو في ال47 من عمره، في فيلمي «المضيفات الثلاثة»، و»سيد قشطة» عام 1985، وتوالت بعدها الأعمال الفنية التي تعدت مائة عمل بين سينما ومسرح وتليفزيون. وعلى مستوى السينما، قدم على سبيل المثال، لا الحصر، فيلم «بطل من ورق» في شخصية مدير البنك، وضابط البوليس في فيلم «النمر والأنثى» عام 1987، و»السادة الرجال»، و»كراكون في الشارع»، و»سيداتي آنساتي»، وفي التسعينيات من القرن الماضي شارك في أفلام مثل «الكنز»، و»الحقيقة اسمها سالم»، وبدءاً من عام 2000 لعب داود شخصيات في أفلام «عمارة يعقوبيان»، و»بوبوس»، و»مرجان أحمد مرجان»، و»الدادة دودي»، و»زكي شان»، و»ليلة سقوط بغداد». وعلى مستوى المسلسلات، شارك في أعمال مثل «عصابة ماما وبابا»، و»يوميات ونيس»، و»فارس بلا جواد»، و»النوة»، و»تامر وشوقية». وعلى خشبة المسرح، رافق يوسف داود الفنان عادل إمام في رحلته المسرحية في «الواد سيد الشغال»، و»الزعيم»، و»بودي جارد». وفي هدوء، رحل يوسف داود رغم كل الأحداث السياسية التي تمر بها مصر، واثقاً من أن جمهوره سيتذكره دائماً، من خلال أعماله التي نال عنها عديدا من الجوائز الفنية التي كان آخرها قبل أقل من شهر من مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما عن مجمل أعماله. يوسف داود يوسف داود في مشهد من أحد أعماله