أن يدعو الرئيس الأمريكي حكومته للتقشف وشد الأحزمة، فإنّ ذلك يعني وصول الأمر إلى مستوى الخطر، فتلك عادة ما تكون صيحة رئيس من بلاد العالم الثالث، الذي تعيش شعوبه على الفقر، وببطون خاوية تشدها الأحزمة؛ غير أنّ الأمر هذه المرة من سيدة الاقتصاد ودولة الرفاه، وهو ما يستحق التوقف. فقد أمر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مؤسسات الدولة الحد من المصاريف والنفقات غير الرئيسة، لأن ذلك من شأنه أن يوفر نحو أربعة مليارات دولار من ميزانية الدولة التي تعاني عجزا متفاقما، كما دعا لتقليص المطبوعات، والهدايا التي تقدم للزوار، والصرف على كبار موظفي الدولة، والحد من النفقات غير الرئيسة. وشمل الأمر الرئاسي بحسب بيان البيت الأبيض توجيه الأجهزة الفدرالية، باستخدام الدوائر التلفزيونية المغلقة، للتخفيف من السفر والحد من شراء الهواتف الخلوية والأجهزة الإلكترونية للموظفين، وتقليص عدد السيارات، ووقف الإنفاق على لوحات الديكور والثياب! استوقفتني توجيهات أوباما هذه، فهي «بمعظم المقاييس» صيحة نذير، ليس فقط لوضعيّة الدولة العظمى التي بدأت تعلن إفلاس بلدياتها، والكثير من مصارفها مع ظهور الأزمة المالية المتفاقمة منذ 2008م، ولكن صيحة النذير هذه، تهز أصحاب المال حيث كانت إقاماتهم وجنسياتهم، لأنّ سيدة الاقتصاد، متغلغلة ومؤثرة، وانهيار اقتصادها يعني انهيار الاقتصاد العالمي بدرجة من الدرجات. حسب بيانات الإدارة الأميركية، فقد بلغ عجز الموازنة في الشهر الماضي 1.29 تريليون دولار، وقد ظلّ متجاوزاً حاجز التريليون لثلاثة أعوام على التوالي. وتقول البيانات الرسمية، إنّ حوالي مليونين من رجال المال في أمريكا أعلنوا إفلاسهم .. وبحسب معهد إشهار الإفلاس الأمريكي والمركز القومي لأبحاث الإفلاس، فإنه، بنهاية العام الحالي، هناك 1245 بنكا، إما أفلست (325) بنكا، أو تحولت إلى قائمة البنوك المضطربة (920) بنكا، وتبلغ أصول هذه البنوك مجتمعة 411.4 مليار دولار. أليس ذلك من شأنه أن يجعل أوباما مضطراً لحصر كاسات الشاي لدى موظفي الدولة؟ .. الله يستر! .. صحيح أنّ سيّدة العالم فعلت الأفاعيل بالسياسة الدوليّة، وبالاقتصاد العالمي، ولم تترك شيئاً لم تدخل على نظامه؛ من هيمنة على السوق الحر، إلى تلوث البيئة والاحتباس الحراري، وتغيّر المناخ، إلى منظومة القيم المجتمعيّة، مثل الخصوصيّة، وقواعد التربية، و..الخ. لن تجد شيئاً كبيراً أو صغيراً لم يتأثر بسياسات الولاياتالمتحدة. وفي المشرق العربي والإسلامي، دكت سيّدة العالم شعوباً وألقت عليهم حممها، ومات آلاف تحت الأنقاض، كل ذلك صحيح.. ولكن.. لا يفيد في هذا المقام النظر إلى الأمر بمنظار «الشماتة» لأنّ انهيار أكبر اقتصاد في العالم، سيؤثر على أي اقتصاد، في أي بلد، دون أدنى شك.