أدعوك -سيدي القارئ- إلى أن تجلس بجواري لنشاهد سويا مباراة (تخيلية) بين فريق لكرة القدم نزل إلى أرض الملعب لينافس فريقا آخر لكرة السلة؟! أستطيع أن أضمن لك- بمجرد أن يطلق الحكم صافرة البداية – بأنك ستحظى بالفرجة على فن «العك»، فكلا الفريقين لا يعترفان كما ترى- بما يقوم به الآخر من أداء لا ينتمي لقانون لعبته، وكلاهما يسخر من خصم يعتبره -حسب وجهة نظره- جاهلا ليس أكثر، بينما جماهيرهما التي لا تكف عن التشجيع -ولعلك تستمع بأذنيك إلى هتافاتها وهي تقوم بتحريض «الفراودة» على النصر- لم يصل إليهما (كما أنا وأنت) أن الأمر هو مجرد خيال ليس أكثر. هل أثقل عليك -سيدي القارئ- لو طلبت منك أن تحمل معي نظرية هذا الخيال العبثي وتشاركني في تطبيقها على ما يحدث في الواقع المصري منذ أن نزل مبارك من على عرشه وسلم «الصولجان» إلى مجلسه العسكري. لعلك تذكر كيف فشل العسكر في البداية فشلا ذريعاً- في قمع الثوار وقبل أن يتمادوا في نفس أخطاء مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، راحوا يتعاملون مع شباب التحرير بطريقة المفاوضات السياسية و»اللت والعجن» و»دي عندي أنا» و «خلى دي عليكم» ولم ينتبه جنرالات المجلس إلى أن أنصاف الحلول لا تجدي نفعاً مع هؤلاء، ولم يدرك مجلسهم الاستشاري أن تطبيق النظريات السياسية في التعامل مع الثورات هو غباء أيديولوجي يثير السخرية.. فإذا قررت – سيدي القارئ- التجوال معي الآن في ميدان التحرير فلن ألومك إذا اتهمتني بأنني صاحب خيال محدود وأنا أفترض في بداية المقال وجود فريقين ليس أكثر، خاصة وأنت تكتشف -بنفسك- فرقا عديدة انضمت بدورها إلى المباراة وكل فريق ينتمي إلى لعبة مختلفة، ويصدق أنه سيكون الرابح في منافسة لا يعلم إلا الله متى ستنتهي. الإخوان والسلفيون، وأبناء حازم صلاح أبو إسماعيل والليبراليون والاشتراكيون و… و.. و.. كل هؤلاء الذين تظن للوهلة الأولى أنهم يقفون في وجه العسكر بعد أن منح الأخير صلاحيات لنفسه هي في الحقيقة انقلاب سافر على السلطة، إنما يحمل كل منهم هدفاً جاء لتحقيقه يختلف عن الآخر، وبمجرد أن تهدأ الأمور (ولا أظن أنها ستهدأ) سيحاول كل فريق النيل من الآخر بمنطق العك الذي اتفقنا عليه. لا بد أنك تبكي على شهداء دفعوا ثمناً غالياً من أجل أن يتحد الجميع ويضعوا مصلحة بلادهم فوق أي اعتبار.. لا تظن أنني لا أشاركك النواح لأنني أمتلك قلبا قاسياً ولكن يمنعني خوف مما سيحدث في المستقبل القريب.. والرعب من سيناريو مؤلم يجعلني أشعر بحالة من الهزيان، عبارة «مصر ليست تونس» ترن الآن في أذني بعد أن تم تطويرها إلى «مصر ليست سوريا» .. أخلط بين ميدان التحرير وحلب، أنظر فأرى المشير يحكم سوريا ويدير آلة القتل والدمار في كل مكان، وأرى ضباطا وجنودا مصريين انشقوا عن الجيش النظامي ليتصدوا لبشار الأسد!