عندما يبدأ فصل الصيف تبدأ معه وتيرة حياتنا بالتغيّر، فبازدياد حرارة الجو تزداد حرارتنا، وتزداد حرارة العروض التنافسية المروجة لبرامج صيفية، وتبدأ العوائل بالإعداد لقضاء فصل الصيف، أو جزء منه، في سياحة داخلية، أو خارجية. سأحاول أن أسلط الضوء هنا على السياحة الداخلية، ما لها، وما عليها، على أن أخصّص المقالات المقبلة، إن شاء الله، عن السياحة الخارجية، خاصة أن البعض منا قد حزم حقائبه بالفعل، وغادر، أو على وشك المغادرة. السياحة في مفهوم العوائل السعودية تعني ركوب الطائرة والتوجه إلى مكان مختلف عن مكان سكنهم، وبما أننا سنخصّص هذا المقال عن السياحة الداخلية سنقول إن أهم وجهات السياحة الداخلية في المملكة هي إلى المنطقة الغربية، وتحديداً إلى جدة والمدينتين المقدستين مكةوالمدينة، وإلى المنطقة الجنوبية الغربية، والمنطقة الشرقية، فلكل منطقة سحرها وميزتها الطبيعية والبيئية. وعادة، يتوجه بعض الناس إلى المنطقة الغربية لقضاء عدة أيام للعمرة وزيارة مسجد الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ومن ثم قضاء بقية أيامهم في أحضان مدينة جدة عروس البحر الأحمر، هذه المدينة التي تسحر قاصديها رغم ما بها من تعب، ومشكلات بيئية، وازدحام، إذ تمارس سحرها على أطياف البشر من مواطنين ومقيمين، فيجد كل شخص ضالته، وهواة الغطس والسباحة ينعمون بمشاهد خلابة من المرجان الأحمر الذي لا يوجد إلا في البحر الأحمر، وهناك الثروة السمكية، وتعدد ألوانها وأنواعها، ما قد يذهل الغطاسين فينسون أنفسهم تحت الماء دون ملل، أما هواة الصيد فيجدون ضالتهم في تعدد أنواع الأسماك والأحياء البحرية التي تزخر بها مياهنا الإقليمية، أما الفنانون الباحثون عن منحوتات وأشكال جمالية يجدونها متاحة لهم بالمجان في معرض دائم مفتوح على امتداد الكورنيش، عدا عن فنون العمارة في هذه المدينة، التي تجمع بين سحر الشرق ودفئه وحداثة الطرز المعمارية الأوروبية، أو الغربية الطابع. ويجد محبو التراث وعاشقو التاريخ في أزقة جدة القديمة، وما تبقى من رواشينها، عبق الماضي، وحنين الذكريات الذي لا ينتهي. وهناك حكايات مازال عبقها يعطر أزقتها وحواريها، ومن يرغب في التسوق وممارسة التجارة يجد مقصده، حيث كل ما يمكن أن تتخيله من الهدايا التذكارية الخاصة بالحجاج، بدءاً بالمسابح، وأعواد السواك، وانتهاء بأغلى الماركات العالمية لمختلف السلع، ومن يرغب في تناول الطعام مع أفراد عائلته سيجد ما لذ وطاب من مختلف المذاقات بجلسات عائلية لطيفة لا يعكر صفوها إلا بعض محدودي الأفق. ويجد الشباب في رياضات السيارات والسباقات البحرية وغيرها من الفعاليات متنفساً لطاقاتهم، ومتعة تجمع الأصحاب. أما تسامح وطيبة أهلها، وتقبلهم للآخر، فيشعر زائريها بألفة وحميمية تجعلهم ينغمسون في وشوشات أمواج بحرها، ليغسلوا تعب عام كامل في أيام قلائل، فيجمعون بين الترفيه والسياحة الدينية، فمكانة جدة كبوابة للحرمين أكسبها عمقاً استراتيجياً، وأهمية لا ينازعها فيها أحد، حيث تصرف الملايين للاعتناء بهذه العروس، ويصرف السائحون الملايين لينعموا بسحرها، إلا أنه تصرف كذلك الملايين من الريالات للحفاظ على نظافتها وسلامة بيئتها، فيا ليتنا في أثناء سياحتنا لا نعكر صفو مائها وهوائها بمخلفاتنا التي تؤثر على بيئتها فتفقد تدريجياً، كل يوم، شيئاً من سحرها. لنعمل جميعاً يداً بيد، وبخطوات صغيرة ومؤثرة، للحفاظ عليها، وهذا لا يتطلب منا كثيرا، فقط التزام كل فرد منا برمي مخلفاتنا في أماكنها المخصصة، وعدم رمي شيء في مياه البحر الذي نحب السباحة فيه والتمتع بمنظره، وهذا كفيل بأن نسهم في الحفاظ عليها، فهل من مستجيب؟