يُعدُّ البحر رئة المدينة الساحلية، تستنشق من خلاله الحياة، وتتنفس السعادة والأمل، وملجأ القلوب التعبة، والأجساد المنهكة، تغسل على شواطئه الهموم، وأدران التعب، ويجدد النشاط. فما بال جدة عروس البحرتحرم أهلها، وعشاقها من كل ذلك؟ فمعاناتهم مع شواطئ بحرها لا توصف؛ فرغم صغر المساحة المتاحة لهم للاستمتاع بالبحر قياسًا بمساحة جدة، وعدد سكانها الكبير، وزائريها، وموقعها الإستراتيجي الجاذب؛ إلاّ أن الروائح الكريهة المنبعثة من البحر بسبب المياه المختلطة بالصرف الصحي، وخفض منسوب المياه الجوفية تُزكم الأنوف، وتعكر صفوة نسيم البحر العليل، إضافة لتأثير ذلك السيئ على صحة الإنسان، وإصابته بالأمراض الخطيرة. وما انتشار الطحالب على ضفاف الشواطئ إلاَّ مؤشرٌ عالٍ لارتفاع معدلات التلوث؛ ممّا شكّل لها بيئة غذائية مناسبة، مشكلة خطورة تمنع الاقتراب من البحر حتى ولو بالنزول إليه، فضلاً عن السباحة والصيد. ولا أدل على ذلك من الحشرات الزاحفة كالصراصير التي تسارع إلى استقبال مرتادي البحر الباحثين عن الراحة والاستجمام، بحيث لا تدع لهم مجالاً للجلوس من شدة حفاوتها بهم، والفئران المتعملقة لا تفتأ تؤدّي عروضها الاستعراضية، وممارسة لعبتها الأزلية مع القطط التي باتت تخشاها، وكذا القطط تقوم بواجبها في مشاركتهم الأكل، والاقتتال على الفتات المُلقى إليها، ملقية اللوم كذا عليهم بوجودها مع الحشرات، بتجاهلهم أبسط حقوق الشاطئ عليهم، وهو المحافظة على نظافته، ووضع المخلّفات في أماكنها المخصصة لها. ناهيك عن إزعاج الباعة المتجولين من العمالة السائبة، المشكّلين لسوق متنقل يُباع فيه كل شيء من الألعاب النارية، إلى الملابس، إضافة لممارستهم كل نشاط متاح خطر وغير صحي، كركوب الخيل، والدراجات النارية، وكأنهم لا يكفيهم تزاحم الأسر ومعاناتهم في إيجاد مكان مناسب للجلوس بشيء من الخصوصية. فهل من أمل بتنفيذ المشاريع التي سمعنا عنها لحل مشكلات شواطئ جدة، وتطويرها، ونرى ما يليق بالعروس، ويسعد أهلها وزوّارها؛ لتظل أهم عوامل الجذب السياحي لها كما ينبغي لها أن تكون؟! لطيفة إبراهيم الأحمدي - جدة