علمت «الشرق» من مصادر عراقية في عمَّان وأخرى أردنية مطّلعة أن محادثات مصالحة تجري في العاصمة الأردنية بين ممثلين عن رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، ورئيس هيئة علماء المسلمين العراقيين، الشيخ حارث الضاري، بهدف ترتيب عودة الثاني إلى العراق. ورجَّحت مصادر أن يكون المالكي عرض – من خلال مبعوثيه – على الضاري تولي الأخير منصب نائب رئيس الجمهورية وإسناد عددٍ من المقاعد الوزارية لشخصيات من هيئة العلماء المسلمين ضمن سلسلة ترتيبات تضمن حل المسائل العالقة بينهما، وهي معلومات أكدتها قيادات عراقية يسارية في اتصال هاتفي أجرته «الشرق» معها من عمّان. المحادثات مستمرة وقالت مصادر «الشرق» إن تلك المحادثات بلغت شوطاً متقدماً ولكنها لم تتوصل إلى نتائج نهائية بعد، وهي تظهر سعي المالكي إلى ترتيب أوراقه الداخلية، وإلى التقليل من الملفات العالقة ونقاط التوتر مع الأردن، ومن بينها ملف الضاري الذي يقيم في الأردن منذ العام 2007 عندما أصدرت حكومة نوري المالكي وقتها مذكرة توقيف بحقه، وهو ما ولَّد – إلى جانب ملفات أخرى- توتراً خفياً وأحياناً علنياً بين عمّان وبغداد، خصوصاً مع دعم الضاري العلني للمقاومة العراقية وقتها وقيادته لهيئة علماء المسلمين. وكان الضاري قد شن هجوماً عنيفاً على المالكي في عدة مناسبات كان آخرها في أبريل الماضي عندما دعا إلى ثورة شعبية سلمية عراقية ضد الحكومة، متهماً رئيسها بدعم مشروع الفيدرالية لتقسيم العراق وجعله تابعا لإيران. وتتهم وسائل إعلام مقربة من حكومة المالكي الضاري بأنه يدعم الإرهاب وبأنه قاد عمليات قتل مذهبية خلال سنوات الحرب الأهلية، كما تتهمه بأنه يسعى مع قادة سنة آخرين لإعادة حزب البعث إلى السلطة. يشار إلى أن الأردن استقبل مئات الآلاف من العراقيين كان من بينهم عددٌ كبير من قيادات السنة، وخصوصاً من المنطقة الغربية. مستشار المالكي ينفي في المقابل، نفى الدكتور عامر الخزاعي مستشار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لشؤون المصالحة الوطنية وجود أي نوع من الحوار الرسمي مع رئيس هيئة العلماء المسلمين، في وقتٍ كانت مصادر عراقية مطلعة أكدت ل «الشرق» وجود مثل هذا الحوار الذي نجح في قطر ثم انتقل إلى عمَّان بوساطة مباشرة من رجل الأعمال العراقي المعروف والقريب من القائمة العراقية، خميس الخنجر، بمشاركة النائب المقرب من المالكي، عزة الشاهبندر. وشدد الخزاعي، في تصريح خاص ل «الشرق»، على أن مثل هذا الحوار لم يُفتَح بين هيئة المصالحة الوطنية بصفتها الوظيفية والشيخ الضاري حتى الآن، مشيرا إلى «أنه في بعض الأحيان هناك أحاديث جانبية حول موضوعات معنية لها خصوصية تؤخذ وكأنها حوار سياسي». ورداً على سؤال عما إذا كان الحوار ممنوعا مع الضاري، قال الخزاعي «ليس هناك موانع في حوارات المصالحة الوطنية ولكن لها اشتراطاتها الموضوعية التي تؤسس لنجاحها، موضحا «لابد من التأكيد على أن الاشتراطات الموضوعية ليست شروطا مسبقة إلا بحدود سقف الدستور العراقي». وكانت مصادر عراقية مطلعة أشارت في حديثها ل «الشرق» أن أكثر من لقاء جرى بين نجل الشيخ حارث الضاري، الدكتور مثنى الضاري، ومسؤولين عراقيين في الأردن وقطر، وأن هذه اللقاءات عُزِّزَت بلقاءات مع رئيس هيئة العلماء المسلمين شخصيا، وشارك فيها النائب عزة الشاهبندر، وفي حضور السفير العراقي في قطر، إضافةً إلى لقاءات أخرى بحضور النائب السابق مشعان الجبوري، وأفادت المصادر أن اللقاءات جاءت تأكيدا لرغبة نوري المالكي في الانتهاء من ملف المصالحة الوطنية في هذه الدورة التشريعية على أن تدخل جميع القوى العراقية الانتخابات المقبلة ممثَّلة بشخصياتها الحقيقية وليس بشخصيات الخط الثاني، حسب قول المصادر، في إشارة ضمنية إلى وجود شخصيات برلمانية تُحسَب على هيئة العلماء المسلمين ولكنها لا تستطيع أن تتخذ القرار المناسب لحل أي خلاف سياسي كما حصل في ملف سحب الثقة عن المالكي. عرض للضاري ونجله حارث الضاري وبيَّنت المصادر أن عمّان شهدت مؤخرا لقاءً جمع الضاري وابنه بالدكتور علي الدباغ الناطق باسم حكومة المالكي ومبعوثه للمهمات الصعبة، وألمحت المصادر إلى أن المالكي عرض على الضاري، من خلال مبعوثيه، أن يستقبله شخصيا على باب الطائرة حال عودته إلى العراق على أن يتم ترشيحه من قِبَل التحالف الوطني، الكتلة البرلمانية الأكبر، لمنصب نائب رئيس الجمهورية بدلا من طارق الهاشمي المطلوب أمام القضاء العراقي، مع تعيين نجله الدكتور مثنى الضاري في منصب سياسي مرموق، لكن هذه المعلومات لم تتأكد من مصادر رسمية في الحكومة العراقية. وترى المصادر أن الضاري ليس متعجلا على إتمام هذه المصالحة مع حكومة المالكي التي تمر بأزمة سحب الثقة، وأنه لا يرغب في أن يُوظَّف أي خبر أو معلومة تسرب لوسائل الإعلام عن هذه الحوارات بأي شكلٍ كان لصالح المالكي في صراعه مع القائمة العراقية، لكنه، وبحسب المصادر، أصدر توجيهاته لتنظيمات «كتائب ثورة العشرين» و»حماس العراق» و»كتائب الراشدين» و»جيش النقشبندية» بالتجاوب مع مشروع المصالحة الوطنية والمشاركة في الانتخابات القريبة لمجالس المحافظات ثم تشكيل كيانات سياسية للمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة. وفي ذات الإطار، لم تنكر هيئة العلماء المسلمين مصالحة السلفية الجهادية العراقية مع الحكومة، بدليل إعلان أمير السلفيين الجهاديين الشيخ الدكتور مهدي أحمد الصميدعي أن انضمام الفصائل التي كانت تلجأ إلى العمل المسلح إلى العملية السياسية يأتي من أجل «منع الشياطين» وكل من خانوا ضيافة العراقيين وتسببوا في إراقة دم الناس. وكانت وزارة الداخلية فجرت قبل ست سنوات عاصفة سياسية بإصدارها مذكرة حمراء عبر الإنتربول لاعتقال الشيخ حارث الضاري، لكن هذه العاصفة هدأت ولم يتم القبض عليه، ولم تنقطع الاتصالات بين شخصيات تمثل رئيس الوزراء نوري المالكي والضاري، كشف عنها الأخير في بيانٍ أصدره عام 2009. وقال البيان حينها «إن اتصالات الحكومة بالهيئة ليست وليدة الساعة، وهناك محاولا ت أجراها فاضل الشرع، مستشار المالكي، وعددٌ من الوزراء العراقيين». وأضاف البيان «الشيخ ضاري ذكَّرهم بشرطه الأساس لحل خلافاته مع الحكومة بقوله ارجعوا إلى ما اتفقنا عليه في مؤتمري القاهرة في 2005 و2006 وخاصة الثاني منهما، وهو اجتماع اللجنة التحضيرية لمؤتمر الوفاق الوطني في مقر الجامعة العربية، الذي تضمن في مقرراته عدة بنود، من أهمها إعادة النظر في الدستور كاملا فلتنفذوا هذين الاتفاقين، وبعد التنفيذ يكون خيرا».