جاء في كتاب الخرافات ل(إيفان كريلوف, 1768-1844) أن رجلا التفت يوما إلى ظله فأراد الإمساك به فلم يلحقه؛ فمشى خلفه خطوة فسبقه الظل بخطوة. هنا بدأ بالركض واللهث للإمساك به، ولكن لم يكن أمام الظل إلا إن يضحك منه ويسبقه دوما. هنا جاءت الرجل فكرة مقلوبة فبدلا من السعي خلفه مشى بالاتجاه المعاكس. هنا خضع الظل وبدأ يمشي خلف الرجل تماما. هذا يذكرني أيضا بقانون المرآة فمن أراد رؤية وجهه احتاج مرآة واحدة، ومن أراد إبصار قفاه احتاج اثنتين. وفي علم المرايا تفهم ظاهرة السراب. إنها حكمة في الحياة أن الأشياء التي نسعى خلفها تهرب منا دوما؛ فإذا تركتها جاءتك طائعة مرغمة. ينطبق هذا على الثروة والجنس. في القرآن تعبير جميل في مطلع سورة الشعراء عن الخضوع (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين). قصة الظل مكررة في أكثر من مكان في القرآن، لعل أشهرها في سورة الفرقان كيف مد الرحمن الظل ثم جعل الشمس عليه دليلا. (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا. ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا) يقول لي من اشتغل في الرسم أن سر الرسم هو في الظلال. وكذلك في سورة الرعد كيف أن من في السموات والأرض يسجدون للرحمن طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال. قصة الانتباه إلى أمور بسيطة واستنباط أمور عظيمة هي من الأفكار العبقرية، منها أثر ما فوق الصوت في تكسير حصيات الطرق البولية. جاءت الفكرة من أثر اختراق الصوت بالطائرات بسرعة ما فوق الماخ وتحطيم البلور فلمعت الفكرة في رأس طبيب فطبقها. بالطبع يشترط له الوسط العلمي المشجع وليس المهرس المحطم. والد إسحاق نيوتن لم ير في التفاح الساقط سوى علف لحماره، أما ابنه نيوتن فاكتشف قانون الجاذبية ووضع قوانين الحركة في الميكانيكا الثلاث ثم حلل الضوء إلى سبعة ألوان. قصة الرجل والظل عرفها أيضا علماء النفس فيما عرف بقانون فرط النية. المثل على ذلك الرغبة الجنسية فمن أراد تحريكها ما وصل إليها، ولكن حين تأتي في وقتها تكون ألذ ما تكون. ذكر هذا القانون فيكتور فرانكل في كتابه الإنسان يبحث عن المعنى، وهو كتاب أنصح القراء باقتنائه في الخزانة المعرفية. أنصح القراء أن يقتنوا بضع مئات من الكتب مما أذكر فسيكون عندهم في ثلاث سنين خزانة معرفية تنفع في قوانين البناء المعرفي.