المرارة أو الشعور الطويل بالاستياء ربما يكون أمرا شائعًا أكثر مما نعتقد ، و هو احساس قد لا نتوقف عنده كثيرا باعتباره موضوعًا يرتبط بالمشاعر التي اعتدنا على تجاهلها و إغفال تأثيرها المباشر على حياتنا و مَن حولنا. الفشل في جانب من جوانب الحياة العملية أو الإنسانية قد يؤدي إلى الشعور بالاستياء أو المرارة ، و هو ما يختلف عن الحزن في كون الحزن يأتي من إيمان الشخص بأنه يتحمل “وحده” مسؤولية فشله في تحقيق هدف ما . بينما الشعور بالمرارة يغذيه الإحساس بأن الغير هم السبب في منعه من الوصول إلى هدفه ، و بالتالي فإنه يحمّل “الآخرين” مسؤولية الفشل في تحقيق جزء من أحلامه . يصاحب الشعور بالمرارة غضب دفين قد يتحول إلى رغبة في الانتقام أحيانا ، وقد قيل : إن المرارة أشبه بشرب السم ثم انتظار موت شخص آخر! لذلك فإنه من المهم جدا الفطنة لما يدور في عقولنا من أسئلة و ما يختلج في صدورنا من مشاعر بعد المرور بأزمة تبتعد بنا عن تحقيق جزء من أحلامنا ، كخسارة وظيفة أحببناها أو انتهاء علاقة حرصنا على استمرارها. فهم مشاعرنا السلبية قد يجنبنا الشعور المُرهق بالمرارة و التي يصنفها بعض الأطباء و الباحثين النفسيين كاضطراب نفسي يستدعي العلاج ، حيث كان أول من أطلق عليها الاسم العلمي (اضطراب مرارة ما بعد الصدمة) في العام 2003 الباحث و الطبيب النفسي مايكل ليندن و الذي وصف الأشخاص الذين يعانون من المرارة المَرَضية بأنهم : أشخاص جيدون عملوا بإخلاص و جد من أجل الوصول إلى أهداف مهمة في حياتهم ، ثم يحدث أمر ما سيئ و غير متوقع ، و مع غياب دور الأسرة و الأصدقاء ، يسيطر عليهم الشعور بالإجحاف و يغلبهم الإحساس بأنهم وقعوا “ضحية” شئ ما ، مما يحولهم على المدى البعيد إلى أشخاص عدوانيين و متشائمين ، كارهين للحياة و الناس. و في دراسة حديثة تضمنها كتاب (الشعور بالمرارة: وجهات نظر مجتمعية و نفسية و إكلينيكية ) يرى الباحثان في علم النفس روسك و ريناود أن الطريقة المثلى لتجنب كل ذلك هو أنه و بعد فشل المحاولة في تحقيق هدف ما (كالحصول على ترقية ، أو انقاذ زواج) فإنه يجب البحث عن طرق أخرى لتحقيقه ، أما إذا كان الهدف نفسه لا يبدو مثمرا عندها يجب فك الارتباط به و الانخراط مجددا في أمر مساوي له في القدر و التأثير (كتغيير الوظيفة ، أو البحث عن علاقة جديدة). إن التعامل الإيجابي مع حزننا أو استياءنا لا يستوجب بالضرورة سرعة التخلص منهما ، فما ندفنه في قلوبنا “حيّاً” يعمل مع الوقت على تسميم أرواحنا و تلويث صفاءها . لكننا بالتأكيد و لتجاوز الألم نحتاج للكثير من الوعي به و الفطنة له ، و الإيمان بأننا لن نستمتع بشيء من أحلامنا إلا إذا بلغناها بأرواح و قلوب و مشاعر سليمة.