عندما تجتاحنا الذاكرة تنهمر صور من حياتنا بغزارة أمام أعيننا. تنعجب كيف امتلأت سنواتنا بهذا القدر من الأحداث التي اعتبرناها وقتها شيئاً عادياً. انهمار الصور يشعرنا بالرعب ويجعلنا عاجزين عن التفكير جاهزين للانفجار. نحاول إغراق المؤلم من ذكرياتنا في الإهمال خوفاً من مواجهتها. لو استعرضنا أحداثها كما مضت أمام ناظرنا يومها وحاولنا أن نعيها ونفهمها لوجدنا خلف كل ذكرى أعماقاً مجهولة غيّرتنا، ولاكتشفنا أن الدخول في الأعماق قد يغيّر إحساسنا بالحدث. قد نمشي بحذر في طريقنا خوفاً من أن تداهمنا الذكريات في مقهى أو على ناصية شارع. في حزن جاف قد تدور في خاطرنا مكالمة أحدثت هزّة قوية في حياتنا. قد نتذكر مواقف بدلتنا في العمق وعشنا بعدها بأجفان مبلبلة على حافة البكاء. وطأة الحنين يجعل كل شيء يجرحنا: الأغاني، الضجيج، ضوء الشمس، والأكثر الوجوه والأسماء. إن عشنا وسط أبخرة الذكريات مستسلمين لها سنبقى خارج قوسي الحياة ونفقد انتماءنا للعالم الواقعي والمشاهد الحية. الذكريات قشرة ملساء هشّة نخفي الناس خلفها. عندما ننفض غبار النسيان عنها ونتأمل من خلال ثقب الذاكرة أناساً مروا بنا نشتاقهم ونراهم كبصيص نور يجمّل حياتنا. تصبح ذكرى الأشخاص أوراقاً مصفرة في شجرة حياتنا. عندما تسقط الأوراق نحزن عليها. ودوماً تبقى أوراق لأشخاص نحرص عليها ونستحضر كل جميل فيها ونسقيها من أوردتنا دماً نقياً وانتماء صادقاً حتى لا تذبل، لأن سقوطها يمثل خيبة الأمل. وتظل هناك كلمات عالقة في الذاكرة تثري حياتنا وتشحذنا بالأمل. ومع الوقت تمضي بنا الحياة ولن تتوقف من ثقل الذكريات فالذكريات هي حقيقة الحياة التي عشناها. • غنّت فيروز: (ورقو الأصفر شهر أيلول تحت الشبابيك ورقو دهب مشغول ذكرني فيك رجع أيلول وأنت بعيد بغيمي حزيني قمرها وحيد).