هل هلاك يارمضان.. لرمضان سحره الروحي الذي لا يضاهيه أي شهر من شهور السنة. ولكل منا تاريخه الخاص وذكرياته الرمضانية التي يستعيدها مع مقدم هذا الشهر العظيم. ذلك التاريخ الذي نجتره في كل عام بحثا عن تطابق مع ذكرياتنا الأولى وطفولتنا المبكرة في تجربة الصوم، ولا أشك أن أول ليلة من ليالي رمضان تجبرنا على استرجاع الرمضانيات التي عشناها سابقا.. وفي كل سنة نرى العام الذي مضى كان أكثر عمقا مما يمر بنا لاحقا. ومن عاش في أزقة وحواري جدة لا يبرح يتشمم تلك الأيام والليالي الخوالي التي عبرناه حاملين ذكريات روحانية عامرة، حيث يقلع الجميع عن أي معصية كان ملازما لها، وترى الجميع منسكبين نحو رحبات المساجد، وفي مقدمة هؤلاء العصاة الذين تعرف الحواري معصيتهم العلنية لينضموا إلى قافلة الخير برغبة ذاتية إجلالا لهذا الشهر. وأذكر طرفة شاعت من كون أحد العصاة الكبار يتفرغ للعبادة (صياما وقياما ) في أيام وليالي رمضان حتى إذا انتهى الشهر عاد إلى مجونه، فقرر أصدقاؤه قتله في أيام رمضان كي يموت على (حسن الخاتمة). هذه الطرفة كان تتناقلها أجيال الحارة مع كل عاص لدرجة أن الجميع يتمنى الموت في رمضان كي يكتسب حسن الخاتمة حيث يتحول الجميع نحو ربهم طلبا للتوبة والمغفرة. كل الخير كان يهل علينا في مثل هذه الأيام، كانت الحياة أكثر بساطة وأقل تعقيدا، ولم تكن ضوضاء الإعلام لتسرقنا وتنهب لحظات الالتقاء والتجمع ولم تكن الدعوات بمحاربة ما يبثه التلفاز قائمة، فكل الأسر تنهي إفطارها وتتلهف لسماع ناي ثواب عبيد المصاحب للقطة جبل أحد وهو يعلن عن ظهور الشيخ علي الطنطاوي في برنامجه الشهير (على مائدة الافطار ) حيث يزودنا بجراعات روحانية إضافية (من غير تكلف) ثم نتابع ما يبث من خلال تلك القناة اليتيمة حتى يعلن عن صلاة العشاء والتراويح، ومع انقضائهما نسيح في الأزقة والأحياء المجاورة لممارسة ألعاب مختلفة. هذه الذاكرة كانت مفرغة من التعنيف والضجيج من أننا ابتعدنا عن الله، فيكفي دخول رمضان ليلتزم الجميع بالعبادات والسلوك الحسن، وأي فعل مشين يتضخم ويصبح فعله أكثر بشاعة عما مضى. كانت اتفاقا جمعيا لا كذب ولا غش ولا نميمة ولا عداء، والكل يذكرك (اللهم إني صائم).. بهذه الذكريات المبتسرة أريد القول إن روحانيات رمضان لم تغادرنا الذي تغير الضجيج الإعلامي، وحين تكثر الأصوات يزداد التشتت، فكل الأصوات الإعلامية (للقنوات المرئية) تجذبك نحوها لتمنح رمضان صبغة جديدة عما كنت عليه سابقا. فمع وجود القناة الوحيدة في فترة الثمانينيات الميلادية، ظهر التغير الاجتماعي بدخول الدراسة في شهر رمضان وأذكر أن الناس ضجت من هذا في البدء إلا أن صوت الشيخ علي الطنطاوي (رحمه الله) كان موجها لمجتمع يتحرك ببطء حين ذكرنا بالتقلبات الزمنية، وأذكر أنه قال ستمضي عشرون سنة على هذا الحال (أي دخول رمضان ضمن شهور الدراسة ) .. وكان هذا أول انقلاب اجتماعي لروحانية هذا الشهر الكريم. ومع تغيب الشيخ الطنطاوي وظهور بديل له محمد حسين زيدان في برنامج (كلمة ونصف) أخذت الصورة تهتز وارتفع صوت من بعيد معلنا تغير الصورة. غدا سأجلس لمشاهدة إلى أين انتقلت الصورة..كل عام وأنتم بخير. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 159 مسافة ثم الرسالة