لكل ماض في حياتنا مكانة خاصة نحسه ونتلمسه لأنه كان منا وفينا يحلو لنا ان نعيد ذكريات هذا الماضي ليشعرنا بوجودنا. ففي برهة وانا أعيد الماضي الذي رحل عدت بالوراء الى حقبة منه وجال في خاطري وأنا بالمرحلة الابتدائية فتذكرت بعضاً من ابيات في مادة المحفوظات التي كنا ندرسها في تلك الآونة ولا زلت احفظها تقول هذه الأبيات: العلم قد سقاني حماسة الشجعان لا خوف يعتريني في الذود عن عريني أقول بأعلى صوتي يا مرحبا بالموت لبيك يا بلادي يا نعمتي وزادي انها كلمات ومعانٍ رقيقة سكنت منذ الصغر مخيلتي وعاشت في كياني فالوطن عزيز وغالٍ والعلم السلاح القوي للنفس تنشده وتبتغيه ليجعلها قادرة على أن تؤدي الرسالة التي خلقت وكانت من أجلها الا وهي الايمان بالله ثم العيش بسلام وطمأنينة في وطن عريق وأهل كرماء وأفاضل. تعلمنا وعشقنا أصالة حضارتنا العظيمة تشبثاً بمبادئنا الاسلامية الحميدة وأولجناها افئدتنا ومشت في أوردتنا فكانت البصيرة التي تناظرها اعيننا والشعاع الذي ينير دروبنا ومستقبلنا، انها الماضي الذي عشناه والحاضر المقنع لنا تماماً اردناه وابتغيناه والمستقبل نحلم به ليكون بين ماضينا الجميل وحاضرنا الاكثر جمالاً واعذب حلاوة، لا نقول لما نتذكر بعضاً لما مضى وقد صار آفلاً بل نقول ان الماضي جزء من الحاضر واستمراره هو المستقبل فما تعلمناه منذ نعومة وصغر أجسادنا نما وترعرع بداخلنا وجعلنا مثقفين ومتعلمين وكون فينا مبادىء وأخلاقاً وطباعاً وقدرات كانت الدافع القوي لندرك بعقولنا ما هي قيمة ومكانة الحياة التي نحن فيها. لا ألوم نفسي أن خلتها تحن لذكرى ما كان في طفولتها فالحارة التي كنا نسكنها اجد كل من فيها كأنهم اسرة واحدة كبارها يخافون علينا فنحترمهم ولا يمكن ان نتجاهلهم ولا نستمع لنصائحهم ومواعظهم انهم تماماً مثل ابنائنا وكذلك أمهات الحي امهاتنا ولا ابالغ ان قلت اننا جميعاً اهل ولا ألومني ان كنت مصراً على ان كلما تعلمته وانغرس في فكري منذ طفولتي هو ما اصبو له طوال عمري فالبيت الكبير الذي يأوينا ما عاد له وجود الا ما ندر والنادر صعب ادراكه فإرادة الله لم تغيرنا وانما نحن تغيرنا فغدونا نعيش بعيدين عن ابنائنا واخواننا واخواتنا واهلنا انه الواقع المحزن الذي نراه ولكن ما زرع وغرس فينا من حب وتآلف جماعي كان رابطنا الصادق فانتماؤنا للوطن والأهل والمجتمع هو الحضن الدافىء الذي يكتنفنا، كنا صغاراً فرعونا وعطاشا فسقونا ولا نفقه شيئاً من الدنيا فعلمونا وصدقت المقولة (العلم في الصغر كالنقش على الحجر).