أشترك مع الكثيرين من أبناء الوطن العربي كوني مصري بالهواية وليس الهوية، من خلال متابعتي للمشهد المصري بشكل عام والمشهد الشعري بشكل خاص، في سبعينيات القرن الماضي كان الفن الشعبي بالجزيرة العربية في قمة ازدهاره عبر حناجر فهد السعيد وعيسى الأحسائي وبشير شنان، وكانت أغلب الأغاني تتحدث عن الهم العاطفي، وقد اشتهرت الكثير من الأغاني التي كان انتقال حبها لنا وراثياً مثل: «كتمت الحب واثر الحب ما ينفع به الكتمان» و «وين راحو عن وطنهم يمكن اتغير سكنهم»، فيما كانت هنالك تجربة مهمة جداً وخطيرة على الضفة الأخرى من البحر الأحمر للغاية، أثبتت تأثيرها الكبير على هذا الجيل، وهي تجربة الشيخ إمام مع أحمد فؤاد نجم، أفرزت تلك التجربة الكثير من الأغاني الثائرة، بل تجاوزت ذلك عبر رثاء الثوّار، ومن أشهرها أغنية «جيفارا مات»، وعلى الصعيد الوطني أغنية تعدّ عروس الأغاني الوطنية، وهي: «مصر يمه يا بهيه يام طرحه وجلابيه الزمن شاب وانتي شابه هو رايح وانتي جايه جيه فوق الصعب مشيه فات عليكي ليل وميه واحتمالك هوا هوا وابتسامتك هي هي» هذي التجربة الرائعة التي جابت أقاصي الأرض، أثّرت بجيل جديد تمرد على مدارس شعرية تعتبر مهمة، هي «جمال بخيت وعبدالرحمن الأبنودي وسيد حجاب»، لتأخذ نفساً ثورياً شعبياً أينعت عناقيده مع تباشير يناير المجيدة، ومن أبرز تلك التجارب «عمرو قطامش وهشام الجخ ومصطفى إبراهيم وأمين فؤاد حداد»، أما التجربة التي أود أن أُسهب بالحديث عنها، هي تجربة شاعر بدين البنية والقيمة، رشيق الفكرة والجملة، هو الشاعر علي سلامة، الذي يعتبر قيمة أدبية تشكّلت عبر قصائد تلامس الطبقة المسحوقة من أبناء العشوائيات، يقول بقصيدة «عارفه يمه»: «عارفه يمه أنا حاسس ان الموت ماخدش منك غير الطرحه والجلابيه السودا، أنا كل ما عدي جنب الأوضه أسمع صوتك وانتِ بتضحكي عالدنيا وتناديلي وبتدعيلي». هذه القصيدة والكثير من التجارب المشابهة، كانت وقود ثورة الشعر وليس شعر الثورة، هاهي أرض الكنانة تثبت أنها ولاّدة على جميع الأصعدة، فكلّما خفتت العزيمة جاء صوت الشيخ إمام برائعة نجيب سرور: «بينك وبينك سور ورى سور وأنا لا مارد ولا عصفور أنا عندي عود شجاع وجسور وصبحت أنا بالعشق مثل».