يشكل محمد محيي حالة فريدة بين جيله من ممثلي الثقافة المصرية في مشهدها الغنائي، وهو من الأصوات التي بدأت منذ أكثر من عقد زمني، فقد أصدر أول مجموعاته "حبيب - 1990"، وتوالت الإصدارات متوالية: "ليه الحبيب، أعاتبك، شارع الهوى، صورة ودمعة، روح قلبي، أغلى الناس، قادر وتعملها 2003"، وربما انتشر من شريطه الثاني منتصف تسعينيات القرن الماضي بأغنيته "أعاتبك" لحن عصام كاريكا، وكشفت تلك الأغنية عن أمور شتى أولها وآخرها أن بليغ حمدي من الصعب الخروج من عباءاته، حيث عبّر عن حالة الثقافة المصرية في حالاتها القصوى بتعدد طبقاتها وفئاتها وأطيافها واتجاهاتها، وهذا لم يأت عبثاً بل كشفته مراحل تعلم وتثقف، ومنها إلى موهبة كبيرة لا خلاف عليها، وما حدث لها من تطور وتعدد في الاتجاهات والأشكال اللحنية والقوالب الغنائية والحناجر العديدة التي وقف بجانبها وقدمها ودعمها دائماً. وتمكن بليغ حمدي من القوالب التقليدية (الموشح والطقطوقة) كما تمكن من الأغنية الكبيرة (التقليدية والشاعرية) والأغنية الدرامية في المسرح والسينما والتلفزيون، ونوع في الاستقاء من الألوان الشعبية في مصر الصعيدية والريفية غير استفادته من ألوان شعبية عربية حجازية (المجرور)، ويمنية (الصوت الصنعاني)، والعراقية (البشارف)، ومغربية (الإيقاعات والجمل الموسيقية) وسواها حتى أنه تسلطت روح بليغ على طريقة تناول الكثير من المقامات العربية على رأسها البيات والرصد، ولم يلن قياد ذلك له إلا من بعد تجربة واختبار عميق لرسم لوحة كبيرة أعطت صورته وفرادته عبر أجيال بدأ معها وتخطاها بل إن كثيراً من الملحنين في مصر والبلاد العربية يدورون في فلكه كأنهم أبناء لم يخلفهم (صلاح الشرنوبي وعصام كاريكا ووليد سعد وخالد عز) حتى طاول ذلك أن تأثر مغنون بطريقة أدائه التي حفظتها لنا تسجيلات عابرة على التلفزيون والكاسيت، ولعل محمد محيي أحد أقوى الأصوات التي تكشف لنا عن وجه لبليغ حمدي لم يكرس مغنياً رغم أن بدايته تؤكد أنه سجل ألحاناً من أحد داعميه رؤوف ذهني ولكنه فضل التلحين والتأليف الموسيقي بارعاً بهما. وقد انطبعت في أعمال محمد محيي، وفي الألحان والأداء، الموضوعة الشعبية الصعيدية والريفية من خلال جمل موسيقية مقحمة أو مركبة، ولعل إعادته لأغنية "مظلوم" للريس حنفي أحمد المعتمدة في جملتها على الجملة الريفية الشهيرة التي بنى عليها بليغ أغنية رائعة لشادية هي أغنية "خدني معاك" عندما يكرر عبارة "أنا مظلوم"، ويتضح ذلك في التسجيل المنفذ بشكل آخر REMIX حيث ابتدأت الأغنية بهذه الجملة وشاركت المغنية الشعبية جمالات شيحة في قفلات المقاطع بأجزاء من موال حيث صور الكليب بهذه الصيغة. يؤكد حضور حالة اللون الشعبي في غناء محيي أعمال أخرى مثل "الحبيب لما هجر" (المشتهرة في ينبع - الحجاز) كذلك "لالي" من اللون الليبي، ولكن في مجموعته الجديدة "مظلوم 2008" يقدم محيي أغاني كثيرة ومنوعة في ألوانها واتجاهاتها اللحنية ومواضيعها الشعرية وأشكالها مثل: "زيي كتير، فاكراني بحبها، يا أنا، طول الليل والنهار" عوضاً عن إعادته لأغنية "شبابي رخصته" لصالح جودت لحن وغناء المطربة الكبيرة لور دكاش، فسنجده عبر نفس الأداء البليغي يقدم أغنيات مشبعة بالطرب. أغنية "ولا حاسس بالأمان" (عماد أبو المجد - تامر علي) الذي انتحر شاعرها بعد وفاة حبيبته: "ولا حاسس بالأمان ولا حاسس بالزمان وداع الدنيا بعدك بقيت مستعجله أحلام مفيش أحلام نسيان مفيش نسيان وكرهت العمر بعدك مش قادر أكمله" دون تجاهل المقطع الرائع "أنساك على قد ما أقدر.."، والأغنية الثانية "رخيص الهوا" (وليد جلال - خالد عز) حيث يعود بنا غير لحنها بل أداء محيي نفسه يقتفي روح بليغ حمدي دون أن ننسى دور الملحن موظفاً. الكورال في مساحات كثيرة أثناء قفلات المقاطع ما أعطى للأغنية في مفاتيح درجاتها المنخفضة جذب للأذن بقدر ما كان محيي يهيئ عبر درجات متوسطة وعالية قليلاً: ورخيص الهوا في قلوب اللي ما داقوا طعم الهوا ورخيص الهوا في عيون اللي ما شافوا سحر الهوا غالي قوي عند العاشقين اللي قلوبهم دايبة حنين ورخيص قوي عند القاسيين اللي منهم حبايبي يا هوا" ويبقى أن محيي لطالما تكشف الأغاني التي يختار مواضيعها عن تلك الحالة العاطفية في رومانسيتها الغارقة في دور الضحية كأنما هو تعويض عن إخفاق في تلبية الواقع لطموح قلبه ومشاعره خاصة إذا عرفنا أن المعجم الدائم عند بليغ هو غربة الروح الدائمة فإن محيي فقد قلبه كثيراً في لحظات شرود هي ذاتها توقعه فيمن توهمت على حد قوله "فاكراني بحبها"!