أسدل الستار، مؤقتا، على المراجعة الدورية لملف حقوق الإنسان في البحرين الذي تمت مناقشته يوم الجمعة الفائت على مستوى الدول وقدمت فيه 176 توصية من 67 دولة بينها 14 دولة عربية طالبت جلها تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق التي تم الإعلان عنها في الثالث والعشرين من نوفمبر 2011 وأعلنت السلطات المسؤولة في البحرين عن التزامها بتنفيذ هذه التوصيات. إسدال الستار المؤقت يستمر حتى شهر سبتمبر المقبل، وهو الموعد الذي حدد للحكومة البحرينية من قبل مجلس حقوق الإنسان العالمي، بعد أن طلبت البحرين آجلا للرد على توصيات الدول الأعضاء في المجلس، وهي دول أوروبية وأمريكية وأمريكية لاتينية وآسيوية وإفريقية، بالإضافة إلى الدول العربية. حتى هنا الوضع اعتيادي. فقد كانت العديد من الدول تحت المراجعة الدورية لحقوق الإنسان، وللمجلس العالمي لحقوق الإنسان توصيات بشأنها كما هو الحال مع البحرين. بيد أن الموضوع الأعمق في تفاصيل الأيام التي سبقت المناقشة الختامية لوضع البحرين في المراجعة الدورية الشاملة هو بيت القصيد. فقد دارت «معارك» حقوقية وتحركات قام بها الوفد الأهلي الذي كان قوامه نحو ثمانية أفراد خرجوا من البحرين وبعض الذين أجبرتهم الظروف للعيش خارجها، ومن بين هؤلاء نشطاء وأطباء ومحامون ورياضيون وصحفيون نقلوا ما حصل لهم، قدموا خلالها ملفات كبرى بلغت 19 تقريرا حول واقع حقوق الإنسان في البحرين. هذا الأمر أثار حفيظة الوفد الرسمي الذي بلغ قوامه أكثر من أربعين شخصا بينهم جمعيات حقوقية لها مواقف على التضاد مع مواقف الوفد الأهلي الذي يتشكل من مؤسسات منها الاتحاد العمالي والاتحاد النسائي وجمعية الشفافية وجمعية حقوق الإنسان. كانت الندوات الموازية للمؤتمر الرسمي هي الفضاء الذي عمل فيه الوفد الأهلي، بينما كان الوفد الرسمي يعمل في فضاء مؤتمر الدول، رغم وجود بعض من الجمعيات التي تم تطعيمها داخل الوفد الحكومي، إلا أنها لم تكن قادرة على فعل الكثير نظرا لاطلاع المنظمات الدولية الحقوقية على تفاصيل كثيرة في الملف الحقوقي البحريني بسبب صدور تقارير حقوقية متزامنة، وبعد تعثر إنجاز توصيات لجنة تقصي الحقائق التي كان البحرينيون يراهنون عليها بأنها فرصة يمكن استثمارها للخروج من المأزق الأمني الحاد الذي تعانيه البلاد منذ أكثر من عام، خصوصا وأن طرفي الصراع، الحكم والمعارضة، قد أعلنا موافقتهما عليها ككتلة واحدة يجب إنجازها واحدة تلو الأخرى من أجل إبعاد البلاد عن التجاذبات الإقليمية التي يبدو أنها بدأت تتموضع في التفاصيل المحلية للجزيرة الصغيرة. كأن ما جرى في جنيف قبيل عقد جلسة المناقشات أشبه بموقعة بين الجانب الرسمي وبين الجانب الأهلي من حيث الأدوات الإعلامية والتقارير الحقوقية المتضادة، الأمر الذي جعل الحالة البحرينية بارزة أكثر من غيرها في المؤتمر وبطريقة سرقت الأضواء من كل الدول التي كانت تنتظر دورها في المراجعة الدورية. بالتوازي مع ما يجري في جنيف، كانت موقعة أخرى تجري في الداخل البحريني، حيث استنفرت الأقلام في بعض الصحف من أجل إنضاج مواقف تصب في خانة التصعيد الضار، فزادت جرعات التخوين والمطالبة بالقصاص بعكس ما قامت عليه المبادئ الأساسية لعمليات المراجعة الحقوقية في جنيف، فزاد توتر البعض وتضاعفت العصبية ولم تلجم نسبيا إلا ببعض الإفراجات التي حصلت لناشطين حقوقيين وسياسيين من نساء ورجال أمرت المحاكم بالإفراج عنهم. ربما يحتاج البحرينيون إلى بعض من الهدوء في التعاطي مع قضاياهم المركزية، وهي اليوم تتمحور حول الكيفية التي يمكن من خلالها إعادة بناء الثقة المأزومة بين كافة الأطراف. هذا الهدوء يحتاج إلى تبريد الحالة العامة للسياسة والحقوق وإعادة جدولة الأولويات بالنظر إلى خطورة الموقف والنأي بالبلاد مما يحصل في بعض دول الإقليم، كما هو الحال في سوريا واليمن. فالبحرين ورغم مرور أكثر من عام على الحراك الشعبي، لا تزال أزمتها تحت مرجل لم تقل درجة حرارته، فكل ما حصل هو إشاحة الإعلام العربي والدولي وجهه صوب النقاط الساخنة في سوريا واليمن ومصر مؤخرا مع انتخابات الرئاسة. إن المراقب يجزم بأن ثمة مشتركات واضحة بين أطراف الصراع، وفي مقدمها توصيات تقرير لجنة تقصي الحقائق، التي بنيت عليها مائة وستة وسبعين توصية في مجلس حقوق الإنسان بجنيف. وهي -التوصيات- فرصة جديدة لمكونات المجتمع السياسي البحريني كي يهضم متطلباتها لينتقل إلى مرحلة تبعده عن تعميق الاصطفاف الطائفي والمذهبي الذي إن ترسخ فلن يُبقي ولن يذر في دولة قام تاريخها الاقتصادي وعلاقاتها الاجتماعية على تجارة الترانزيت، وهي الميزة المهمة التي يتمتع بها الشعب البحريني في نظرته للآخر.. أياً كان هذا الآخر. أمام البحرين نحو أربعة أشهر لتقديم أجوبة على توصيات مجلس حقوق الإنسان، وهي فترة كافية للانتقال من مرحلة التوتر والأعصاب المشدودة إلى الارتخاء النسبي والانفراج الأمني والسياسي.. فهل تشهد البلاد ضوءا نهاية النفق الأمني؟