ذكرت إحصائية صادرة عن أدبي الباحة، أن عدد الروايات السعودية الصادرة بين عامي 2007 2009 بلغ 189 رواية، وذكر القاص خالد اليوسف ل”الشرق” : أن عدد الروايات الصادرة بين عامي 2010/ 2011 بلغ 145، بينما وصل عدد الروايات السعودية منذ عام 1930 إلى 880 رواية. والجرافيك المرافق يوضح الأرقام بالتفصيل. فهل هو تحول في نظرة المجتمع إلى الرواية، وتقبله لها، أم أنها موجة موقتة فرضتها تغيرات العصر، وستذهب عما قريب، ولماذا لا يتم وضع هذه الأعمال تحت عدسة النقد. يرى القاص والروائي أحمد الدويحي أن المجتمع لايزال ينظر إلى الرواية بريبة، وبحكم ثقافتنا نحن نمارس حياتنا بسرية، ونرفض أن يتم الكشف عما نقوم به، وهذا ما تفضحه الرواية التي تدخل فيها فنون أدبية أخرى، كالمسرح والسينما، وغيرها، وأقول: يجب أن يصبح لدينا رواية جيدة لكي يكون لدينا مسرح وسينما جيدين.
حالة صحية ولا يرى الدويحي أي مشكلة في هذا الإصدار المكثف، الذي يُعد طفرة تعيشها الساحة الأدبية، ففي كل موسم تصدرأعداد كبيرة من الروايات، تتفاوت في المستوى بين الجيد والرديء، وهي في غالبيتها لا تتعدى مرحلة التجريب، ونحن نعيش حالة انفلات. ويؤكد الدويحي أن هذه الحالة طبيعية وصحية، نتيجة تعدد وسائل الاتصال وتطورها، ما يتيح للناس مزيداً من وسائل التعبير والتنفيس. وهي ليست المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا الإقبال الكبير من القرَّاء والكُتَّاب، ففي فترات سابقة كنا في زمن القصة، وانتقلنا إلى الشعر، إلى أن وصلنا إلى الرواية حالياً. ويفضل الدويحي أن تكتب الرواية بعد سن الأربعين، ويعلل ذلك بأن الكاتب يصل إلى مرحلة النضج، وإلى التمكن من أدواته الفنية، ومعرفة فنون السرد، والتراكم الزماني والمكاني. ويؤكد أن هنالك اتجاهاً لكتابة الرواية من كُتِّاب الشعر والأدب، وأن هنالك محاولات في غالبيتها لم ترتقِ للمستوى المطلوب. ويشير الدويحي إلى أهمية إنشاء مراكز دراسة ومتابعة وتقييم لهذه الأعمال، فالإصدارات الحالية من الكثرة بحيث يصعب مرورها على مباضع النقاد.
العمق المكاني ويرى الكاتب والروائي عبد الحفيظ الشمري أن الرواية السعودية تسير بنجاح مميز، جعل منها مادة للتفاعل والقراءة، وبدأ المجتمع يتعاطى معها بشكل إيجابي، الأمرالذي سجل ظاهرة الحديث عن الرواية في الحياة اليومية، حتى لغيرالمحسوبين على فئة المثقفين، وكل ذلك بجهود كُتَّابها، وهو أمر أفضى ببعض المبدعين في مجال السرد إلى إنتاج النص المفتوح. وعن مستوى السرد، يشير الشمري إلى وجود أبعاد فنية مختلفة للرواية السعودية، منذ عبد الرحمن منيف، ومن بعده رجاء عالم، وتركي الحمد، حيث سجل هذا الثلاثي الروائي حضور الرواية بعمقها المكاني، فخماسية “مدن الملح” للراحل “المنيف” في شرق الوطن كرست مفهوم المكان المتجذر في وجدان العامل البسيط الذي يسعى إلى حقوقه، وجاء على إثره تركي الحمد محمولاً على بساط الملامح المكانية المعتقة في ثلاثية “أطياف الأزقة المهجورة” بين العدامة والشميسي والكراديب، وفي مجمل أعمال رجاء عالم نجد أنها شخصت في “بدربة” عوالم المكان في عمق الكون، مكةالمكرمة. وهنالك تيارات كثيرة أشبعت المشهد الحياتي عرضاً وسرداً وتشويقاً للقارئ الذي بات الآن شغوفاً بكل ما يكتب.
النقد لا يبني رواية ويرى الشمري أنه من المجحف، أو الخطأ، أن نجعل للنقد أي دور في بناء مشروع الرواية، فضلاً عن أن يكون قد أسهم في محاولاته لهدمها بادعاءات مظللة، فأشباه النقاد متجردون للمديح والتزلف لبعض التجارب. وهنالك أمثلة لا حصر لها تؤكد أن النقد لم يكن أميناً في تعاطيه مع المنجز، فالأعمال الروائية في المعارض حاضرة بجهود أهلها، ولا أحد له الفضل في نجاحها. ويؤكد الشمري أن مستوى الرواية، من حيث المقروئية، والحضورالفني، والتميز اللغوي، وتطور الأداة الفنية، مثالي، وجدير بالمتابعة والقراءة. كما أن الرواية باتت عاملاً مهماً من عوامل فضح بعض الممارسات الخطأ، وتجريدها، لكي تكون أمام الناس بلا تلفيق، أو “تزويق”، أو إضافات، لتسهم في تشخيص وعلاج كثير من مشكلاتنا الاجتماعية التي كانت في السابق محرمة، وذات خطوط حمراء ودوائر مغلقة. وعن المشكلات التي تواجهها الرواية السعودية، يؤكد أنها محدودة، ولا تؤثر في تجليها وحضورها على نحو قلة الدعم لها من قبل المؤسسات، وغياب الجوائز المحلية التي تتناول الرواية.
سيرة وبوح وخواطر ويؤكد المتخصص في الرواية المحلية د.حمد البليهد أن الوسط الأدبي يعيش حالياً حالة انفجار روائي كبير، نتيجة تحولات سياسية واجتماعية وثقافية فرضتها طبيعة هذا العصر، فالمجتمع ظل لفترة طويلة متوقفاً عن الإنتاج الروائي، أما الأعمال الحالية فهي في مجملها عبارة عن سيرة وبوح وخواطر، وشباب وشابات أتيحت لهم الفرصة في التعبير. وأتاحت قنوات التواصل المكان والمساحة الأدبية لكي يقدموا إنتاجهم الروائي، إلا أن هنالك أعمالاً جيدة تستطيع أن تنافس.ويرى البليهد أن غالبية الروائيين جاءوا من خارج السياق الأدبي، ولم يكن لهم تاريخ أدبي، إلا أن منهم من أبدع، مثل غازي القصيبي، يرحمه الله. ولذلك فإن غالبيتهم توقفواعند العمل الأول. ويؤكد البليهد أن اللغة في غالبها ليست أدبية، بل هي لغة تواصلية تداولية، لعدم وجود رصيد من الثقافة والأدب عند بعض الكُتَّاب، ولذلك هم يكتبون بلغة الناس المتداولة عند المواطن العادي.
تنفيس ويرى الروائي عبد العزيز الصقعبي أن المشهد الروائي السعودي يعج بروائيين لا يملكون أي رصيد أدبي، ولم يكتبوا قصة قصيرة واحدة، أو مقالة، وإنما هي تجارب حياتية وقرائية، بحثاً عن الشهرة، فالرواية فن مغرٍ للباحثين عن الشهرة. والأعداد الكبيرة من الروايات هي عبارة عن خواطر ويوميات تنفيسية لا ترتقي لمستوى القارئ. وهي حالة مشابهة لما حدث في الثمانينيات، فقد عشنا موجة القصة، وكانت الصحافة المحلية تتناولها بشكل يومي، وكما انتهت تلك الموجة، أوتحولت، ستنتهي هذه الموجة قريباً، أو ستتحول. ويؤكد الصقعبي أن الحاجة إلى دراسات نقدية أصبح أمراً ملحاً وهاماً في هذه المرحلة، فالساحة الروائية تفتقد للناقد الحقيقي الذي يكتب في نظرية للنص، بعيداً عن المحسوبية والشللية، ولا يوجد اسم كبير نستطيع أن نطلق عليه ناقداً. وتبقى المحاولات محدودة جداً وخجولة، وتغلب عليها المصالح الشخصية والعلاقات.