يقال (ليس من رأى كمن سمع) وأقول: ليس من رأى أو سمع كمن اكتوى! والتجربة خير برهان مع الهلال الأحمر السعودي، حيث كانت تجربتي (البلية)، ولأن شر البلية ما يضحك، فالنصيحة قبل الخوض في التفاصيل أن تتحرر عزيزي القارئ من كافة القيود، وأن تترك جميع مستلزماتك جانباً، كالجوال وساعة اليد، ولأن الفتح أقوى من السكون، ويأتي بالهمزة على السطر، فحاول النزول إن كنت على كرسي، واجلس على الأرض لأنك ستفتح فمك ضاحكاً مستلقياً، وقد ترفس عند الضرورة! فقبل أيام غلبت “التراجيديا” على مشاهد قصتي مع الهلال الأحمر السعودي، ولولا صعوبة الموقف لقمت بتوثيق تلك الأحداث التي دارت ما بين جازان والرياض. حيث قدر الله أن أصيبت أختي (من ذوي الاحتياجات الخاصة والعوق المتعدد) بكسر مضاعف في الساق، إثر سقوطها عند باب مدرستها بمنطقة جازان. وبعد نقلها للمستشفى، وإجراء الفحوصات اللازمة، قرر الطبيب حاجتها لعملية جراحية يتعذر على المستشفى القيام بها حينذاك – لأسباب يطول شرحها – مبدياً ضرورة تحويلها لمستشفى آخر. ونظراً لذلك، ولحالتها الصحية (الإعاقة المتعددة) بالإضافة لمعاناتها من الوزن الزائد، وإصابتها المستجدة، وأيضاً وجود ملف لها بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، قررت نقلها إلى هناك على حسابي الخاص. وبعد إتمام حجوزات الطيران، سألني موظف الحجز بمكتب جازان عن وسيلة نقلها من مطار الملك خالد بالرياض إلى المستشفى (التخصصي)، فأجبته أنني سأقوم بالاتصال والتنسيق مع الهلال الأحمر هناك. فابتسم الموظف قائلاً: خذ هذا رقم اتصال لأحد المستوصفات الأهلية فقد تحتاجه لتوفير إسعاف ينقل مريضك. قلت كيف؟ على حد علمي هلالنا الأحمر هو الناقل الحكومي لمثل هذه الحالات؟ ختم حديثه معي بقوله: لن تخسر شيئاً إن أخذت الرقم، وشفى الله مريضكم وأعانكم. وهنا بدأت فصول أخرى أكثر غرابة، فباتصالي بالهلال الأحمر في الرياض، للتنسيق معهم وتزويدهم برقم الرحلة وموعد وصولها، وبعد “ماراثون” لا سلكي، وصلتني إجابة صادمة من أحد مسؤولي الهيئة، تفيد بعدم مقدرتهم على نقل أي مريض من المطار، إلا بتعميد من سمو رئيس هيئة الهلال الأحمر السعودي. عرفت حينها سر ابتسامة موظف الخطوط السعودية. ورحت معها (أطفس ذا الزرارا وذا الزرارا) متصلاً بالمستوصف الأهلي. وهنا توقف عزيزي القارئ عن الضحك، وبادر بالقهقهة جالساً، فقد جاء الرد من سائق الإسعاف (عربي الجنسية) واستعد بنقل الحالة من أرض المطار – في وقت عجز المسعف الحكومي عن ذلك – مشترطاً دفع مسبق (700 ريال) تحول لحساب بنكي خاص! وتم ذلك على مضض وامتعاض مني، لم يلغه إلا تفاؤلي بطاقم إسعافي (خمس نجوم) سيستقبلني وأختي المحمولة من جازان إلى الرياض على نقالة. وبوصولنا لمطار الملك خالد بالرياض – أدعوك قارئي الكريم هنا للرفس إلى أعلى – جاء سائق الإسعاف بمفرده، وكانت المركبة التي يستقلها من نوع “ميكروباص” قديمة، وهيئتها تقول إنها تستخدم لنقل الدواجن والمواشي، وأكياس الشعير إن لزم الأمر! ولا تحمل من مواصفات مركبات النقل الإسعافية إلا جهاز التنبيه المتربع على سقفها! وسؤالي هو: لماذا يتنصل هلالنا الأحمر من مسؤوليته ودوره تجاه المواطن؟ وكيف يستطيع وافد أداء هذا العمل ويصل بتلك المركبة (المنتهية!) إلى داخل مطار دولي؟ وهل يعقل كل هذا يا وطني؟!