يجب أن تعلم أيها القارئ اللطيف -حمى الله ابتسامتك الودودة من كل سوء- أن عدد مصابي السرطان بأنواعه في بلادنا خلال الخمس عشرة سنة الماضية فاق (120) ألف مريض، كل منهم إصابته في لحظة معرفته بالخبر صدمةٌ وحزنٌ -تحولت أحياناً إلى يأس- وأن كلاً منهم يحتاج لتجاوز محنته إلى العبور بمناطق من الألم شديدة، جسدياً ونفسياً، وتكريماً لهذه البطولة الكبرى اتفق العالم على الاحتفال بيوم للمتعافين من السرطان وهو الموافق للسادس من يونيو، هذه المناسبة يتم الاحتفال بها في الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ أكثر من خمسة عشر عاماً. لقد عشت مع إصابة أمي بالمرض (سرطان الثدي) أياماً عصيبة وعظيمة، تكللت عند الشفاء بفرحة النصر الذي كان أشبه بنصر الفريق منه بنصر الفرد، إنها معركة مرهقة مع المحتل، ولذلك فإني أفهم معاناة كل مريض، ومعاناة كل أهل مريض، وأرى جلياً المصاعب التي يواجهونها مادياً ومعنوياً على الصعيدين الشخصي والاجتماعي، فالدعم الملكي المباشر الذي يتولى علاج مرضى السرطان -رغم عظمته- يواجه مشكلة صعوبة الإجراءات للوصول إليه وتأخيرها أحياناً، كما أن ارتفاع تكلفة العلاج لكل مريض مع ارتفاع عدد المرضى ستشكلان عائقاً خلال السنوات القادمة، لكن العائق الحقيقي -حالياً- يتمثل في ضعف الوعي الاجتماعي بالمرض وعدم انتشار «ثقافة السرطان» في المجتمع رغم كونه يعتبر أحد أهم أسباب الوفاة عالمياً، وهو ما تهتم مثل هذه المناسبات السنوية بتسليط الضوء عليه. مريض السرطان يحتاج لدعم أسري واجتماعي للتشجيع على مكافحة المرض إذ بعضهم يتهاوى تحت وطأة الكيماويات وآلام العلاج حتى يفضّل الموت على الحياة، يكون الدعم بتحمل ضعف المريض والإحسان في القول إليه ورفع همته وعدم الاستهانة بآلامه، مرافقته إلى الجلسات العلاجية أمر واجب والسعي لإيجاد حلقات اجتماعية يتواصل فيها المصابون سواء بشكل مباشر أو عبر المنتديات الإلكترونية، ولعل أحد أهم المواقع المهتمة بهذا موقع (مجتمع طهر) الذي أنشئ حديثاً لهذا الغرض بشكل غير ربحي، كما يجب ملاحظة أن مريض السرطان -كغيره- رغم حاجته للتشجيع والدعم إلا أنه يكره نظرات الشفقة والمعاملة ال (مُتَصَدِّقة). ومع أن السادس من يونيو لم يحن بعد فإن الاحتفال بيوم المتعافين من السرطان قد تم في الرياض يوم الأربعاء الماضي استعجالاً له قبل حلول مواعيد الاختبارات للطلاب، وأتساءل: كم ممن يقرأ هذا المقال قد سمع بذلك الاحتفال؟ ليس عجيباً أن يخفى حدثٌ بهذه الأهمية على الناس، إذا أخذنا في الاعتبار أن الدعاية له لم تتجاوز حدود الشبكات الاجتماعية (تويتر وفيسبوك) وعلى نطاق ضيق جداً، كما أن الدعم المادي له لم يتجاوز دعم بعض المستشفيات الحكومية والجمعيات الخيرية وماتبقى من جهود أنجحت هذا الاحتفال كانت عبارة عن جهود تطوعية محضة.الملتقى تم بتنظيم الجمعية الخيرية السعودية لمكافحة السرطان وقسم الأورام بالمستشفى العسكري بالرياض، بجهود كثيفة من الدكتورة إيمان بخاري وفريق جميل مشكور من المتطوعين: أطباء وإعلاميون وجمعيات خيرية وفرق ترفيهية وغيرها، كانت النتائج مبهرة تدعو للفخر الشديد في ضوء ما أتيح لها من إمكانيات، ولكن تلك الإمكانيات كانت مخجلة حقاً في دولة بحجم دولتنا، أين الرعاية الحكومية الجادة؟ وأين رعاية القطاع الخاص الذي يتسابق لرعاية الأمور أقل أهمية؟ أم أن هذه الفعالية لا تشكل له ربحاً مناسباً ولا جمهوراً فاعلاً؟ وأين التغطية الإعلامية من القنوات الكبرى؟ فمع أنه تمت مخاطبتها إلا أن التجاهل كان سيد الموقف، أما التقصير الموجود من قبل الناشطين الاجتماعيين والنجوم من الفنانين والإعلاميين فهو موضوع يستحق مقالة مستقلة، وأزيد تساؤلاً جديداً من نوعه: أين الدعاة والمشايخ عن هذه المناشط الإنسانية التي هي موافقة لمقاصد الدين؟ إن احتواء المكان على (منكرٍ ما) في نظر الشيخ لا يمنع من ترتيب حضوره لإلقاء كلمة أو المرور في جولة بالمكان بشكل يسجّل فيه حضوره واهتمامه ويضيف للفعالية صدى. نعزي أنفسنا لأن حداثة هذه الفعالية وجِدّتها كانت وراء تواضع الحضور الإعلامي والرعاية المادية، وهو أمر لا يجوز أن يستمر، بل لابد من أن يسعى الشرفاء لتبديده عن طريق الإعلام الجديد والتقليدي فمثل هذه الملتقيات النبيلة تعزز قيماً وتضيف مباهج، احتفلوا بكل من تعافى من السرطان من أقاربكم أو معارفكم، وصدقوني، إنها معركةٌ المنتصر فيها مناضلٌ جدير بالتكريم. الشكر العميق لا يفي بحق كل من ساهم في إنجاح الاحتفال بيوم المتعافين من السرطان، ولا نقول إلا جزاكم الله كل خير، فبكم يكبر الأمل.