إن من أبرز التحديات التي نعيشها في مجتمعنا الوعي بحقوق المواطنة الكاملة واستيعاب مضامينها الشاملة، بما تستلزمه من إقرار بحق كل فرد في العيش بكرامة، والتمتع بكامل الحقوق التي دعت لها الشريعة السمحاء، وأقرتها المواثيق والعهود الدولية، وعززتها كذلك معظم الأنظمة والتشريعات الوطنية. ولذا فإن تكريس مفاهيم المواطنة الكاملة والالتزام بتطبيقاتها يشكل حماية حقيقية لكل فرد من أفراد المجتمع، ويسهم في زرع حالة من الثقة والاطمئنان بين مختلف مكونات وشرائح المجتمع، ويدعم بالتالي حالة الاستقرار والسلم الأهلي. البعض لا تزال نظرته قاصرة تجاه نظرائه المواطنين، فيعتقد بأفضليته عليهم وأحقيته بالاستئثار على حسابهم، بحيث يجعل من انتماءاته التقليدية كالمذهب أو القبيلة أو المنطقة أو غيرها متقدمة على الانتماء الوطني، وما ينتج عنه من علاقة متوازنة مع أبناء وطنه دون تمايز عنهم أو استهجان بهم، أو استهانة بتراثهم وثقافتهم، أو انتقاص لأي حق من حقوقهم المشروعة. ومن ناحية أخرى فإن عدم التزام البعض بمبادئ المواطنة، ربما لعدم الوعي الكامل بها، قد يؤدي إلى بعض التجاوزات التي لا تضع الفرص أمام الجميع بصورة متساوية في مختلف المجالات بالإضافة إلى ما قد ينتج عن ذلك من حالات تمييز وإقصاء لقوى اجتماعية من المشاركة في الشأن العام ومن ثم انعدام الثقة في الأنظمة والقوانين ومؤسسات الدولة التي تقر بعدم التمييز. إننا هنا في أمس الحاجة لإطلاق «وثيقة المواطنة» التي يمكن أن تكون مناراً لتلمس آفاق المستقبل لوطننا، تتعزز من خلالها حالة من المصالحة بين مكونات المجتمع المختلفة، والتوافق على منطلقات وأسس الإصلاح وبرامجه، بعيداً عن المهاترات والإثارات والتشكيك في النوايا. مثل هذه الوثيقة ينبغي لها أن تعمل على مسارين رئيسيين: الأول مسار اجتماعي – ثقافي يؤكد وحدة الصف والالتزام بالمبادئ الأساسية محل الإجماع، والإقرار بالتعددية والتنوع في المجتمع، وبث ثقافة التسامح واحترام خصوصيات كل فئة اجتماعية وحقوقها في التعبير عن تطلعاتها ضمن الإطار الوطني العام. أما المسار الثاني فهو في البعد السياسي، وينطلق من تفعيل القرارات التي أطلقتها القيادة السياسية في مجالات الإصلاح والالتزام بتطبيق التشريعات والأنظمة المحلية والاتفاقيات الحقوقية الموقعة وتجريم جميع أشكال التمييز والتحريض على الكراهية وتعزيز استقلالية القضاء واحترام حقوق الإنسان بما في ذلك حرية التعبير عن الرأي وإطلاق المجال أمام تشكيل مؤسسات المجتمع المدني، وضمان التنمية في كل المناطق. كل هذه الأهداف التي تم التعبير عنها بصيغ مختلفة من قبل كبار المسؤولين في الدولة، أو من شخصيات اجتماعية مهمة، ستسهم في تعزيز المواطنة الكاملة وتشرك الجميع في مسؤولية بناء هذا الوطن، والمحافظة على مكتسباته الكبيرة.