في الريف تلتبس على الناس أيام الميلاد، فوالدة القاص عبد الجليل الحافظ لا تصدق التاريخ المدون في أوراق ابنها الثبوتية؛ لأنها تعتقد أنه أكبر مما اتفق على كتابته، وهي خلاف ما درجت عليه الأمهات اللواتي لا يكبر أبناؤهن أبدا في نظرهن! في أحضان قرية ريفية من قرى الأحساء، ولد الحافظ.. يتنازعه تاريخ ميلادين، أحدهما مكتوب في هويته، والآخر تحفظه أمه التي سربت الشك إلى نفسه في كل شيء: «من وقتها لا يزال الشك محمولا في زوادتي». ورغم العزلة التي ألزم الحافظ نفسه بها، إلا أن ثلاثة من أصدقائه وشموا طفولته بالمغامرات وحكايات الصبا، «أهمهم أخي الأكبر الذي تعلمت منه قراءة الكتب، وسرقة الروايات التي يزعم أني لست مؤهلا لقراءتها بعد، وصديق آخر ما زالت حبال المودة بيني وبينه تعود من حين لآخر، بعد أن فرقتنا ظروف عملنا، ووزعتنا على أرجاء البلاد، وهو من كنت أقرأ أو أقص عليه ما كنت أقرؤه في الكتب». ولأن القراءات الأولى تحفر عميقا في ذاكرتنا، فإن الحافظ لا ينسى ما قرأه في سلسلة «المكتبة الخضراء»، التي أسست وعيه المبكر: «لم أخف فرحتي حين سمح لنا المعلم بدخول المكتبة المدرسية، وكان هذا أول عهدي بقصص المكتبة الخضراء التي أرهقني البحث عنها الآن، لأقرأها لأطفالي». وفي المرحلة الثانوية، بدأ الحافظ عهدا جديدا من القراءة، فاستهواه الشعر العربي، منحازا إلى أبي نواس وامرئ القيس ونزار قباني: «هؤلاء الثلاثة جعلوني أرسم عالما آخر للمرأة مختلفا كليا عما يراه أي فتى في ريف بلادي، حيث لا يعرف من النساء غير أمه وأخواته ونساء مكسوات بالسواد، عالما لم أستطع رسم ملامحه تماما ولم يتكشف لي حتى الآن، فكلما اطلعت على جانب منه اكتشفت أن الرقعة المخفية اتسعت وكبرت». ورغم هذه العلاقة الشعرية مع المرأة، لم يقرأ الحافظ في تلك الفترة المبكرة روايات رومانسية، فالأعمال التي كانت متاحة آنذاك يغلب عليها الطابع البوليسي: «أجاثا كريستي والروايات البوليسية العربية، كنت أعيش معها وأنعزل عن الآخرين، إلى درجة أني كنت أخلط بين شخوصها وشخصيتي التي تشبعت كذلك بشعر أبي نواس وتصوّرات نزار عن المرأة الحلم». لكن الجامعة فتحت أمامه أفقا واسعا، فقرأ في تلك الفترة رواية «الكونت ديمونت كريستو» الشهيرة، التي ألفها دوماس الكبير، وهي التي أثرت بأبعادها الإنسانية في تكوينه الثقافي الأول، وأرشدته إلى عالم الرواية الأوربية رغم استحواذ الشعر والنقد، بحكم الدراسة والتخصص، على اختياراته وميوله.