لمن يتحدث عن حقوق المصريين في السعودية، يمكنهم أن يعودوا لقضية الحارس المصري الذي قُتل في الرياض على أيدي ثلاثة عشر شخصاً من الجنسية البنجلاديشية، وترجع وقائع القضية إلى عام 2008م، حيث اشترك 13 عاملاً بنغالياً في قتل حارس مستودع مصري بغرض سرقة كابلات نحاسية بعد تقييده وتهشيم رأسه بالعصي والأسياخ الحديدية. تلك الجريمة البشعة التي نفذها الجناة رغم استعطاف الحارس المغدور لهم حين أخذ يقسم للجناة أنه لن يبلغ عنهم.. وسيقول إنَّ المستودع سرق في غيابه أو في فترة نومه؛ عندما علم بدافع الجناة لقتله. أخذ الحارس المصري في الصراخ واستمر الجناة في ركله وضربه بالعصي والحديد وأخذوا بسحبه إلى خلف المستودع ليدخل بقية شركائهم لحمل المسروقات وبعد أن تأكدوا أنَّ الحارس المصري فارق الحياة قاموا بفتح باب المستودع واستمروا في حمل مسروقاتهم ولاذوا بالفرار. هذه الحادثة، التي تمكنت شرطة الرياض من حل لغزها والقبض على الجناة وتسليمهم للقضاء السعودي الذي أصدر أحكامه بقتل ثمانية أشخاص وسجن خمسة آخرين، مرّت مرور الكرام على الإعلام المصري، فلم ينبر للحديث عنها أحد، لا شرفاء الإعلام في مصر ولا القلة القليلة التي تمارس الصراخ في صحف وتلفزيونات مصر ممَّن لا يرون إلا ما يخدم أهدافهم ومصالحهم الشخصية، وربما أجندات يقومون بتنفيذها داخل مصر مستغلين طيبة المواطن المصري، المواطن الذي ينسى الإساءة، فمن يمارسون دور المتحدث بالإنابة عن شعب مصر كانت لهم مواقفهم المخزية ضد الشعب المصري منذ بدء الثورة المصرية وحتى آخر يوم فيها. نعم، الشعب المصري الطيب ينسى، ويسهل تعبئة شريحة كبيرة منه ليس لجهلهم، فمصر وشعبها لديهم من العمق الحضاري ما ينفي شبهة الجهل، ولا لسذاجتهم، فمصر وشعبها إرث طويل من الحضارة والوعي الذي يتنافى مع أي اتهام لهم بالسذاجة، ولا لحقدهم على الشعوب الأخرى، فمصر وشعبها مثال على التسامح والقدرة على التعايش مع حضارات مهما اختلفت معها فكيف بتسامحهم ومحبتهم للشعوب العربية. من السهل تعبئة شريحة كبيرة من الشعب المصري لأنهم طيبون، والطيبة ليست تهمة، لكنها وسيلة من يريد أن تخرج مصر من أزمة كي تدخل في أزمة أخرى، وما أحداث مباراة مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم الماضية ببعيد، حيث تسابق مرتزقة لا يمثلون أرض الكنانة، ولا إعلامها، ولا شعبها، في استفزاز المصريين باسم الحسّ الوطني وتعبئتهم ضد شعب عربي طالما رأى في مصر الشقيقة الكبرى، تماماً كما يراها عربٌ كثيرون، فمصر هي قلب العروبة النابض، وهي التي ذكرها الله في كتابه أكثر من خمسة وعشرين مرة صراحة أو بالإشارة إليها، ومصر هي التي أوصى بها الرسول صلى الله عليه وسلّم: «إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا بها جنداً كثيفا فذلك الجند خير أجناد الأرض، قال أبو بكر لمَ يا رسول الله؟، قال عليه الصلاة والسلام: لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة»، ومصر هي التي قال عنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين كتب إلى عمرو بن العاص: «أما بعد فإني قد فكرت في بلدك وهي أرض واسعة عريضة رفيعة، قد أعطى الله أهلها عدداً و جلداً و قوة في البر والبحر، قد عالجتها الفراعنة وعملوا فيها عملاً محكماً، مع شدة عتوهم فعجبت من ذلك»، وهي التي قال عنها ابن عباس رضي الله عنه: «سميت مصر بالأرض كلها في عشرة مواضع من القرآن»، وهي التي جاء على لسان النبي يوسف عليه السلام وصفها بأنها «خزائن الأرض» وكأنها هي الأرض بأسرها، وجاء في التوراة «مصر خزائن الأرض كلها، فمن أرادها بسوء قصمه الله»، وهي التي قال عنها كعب الأحبار: «لولا رغبتي في بيت المقدس لما سكنت إلا مصر»، فقيل له: ولمَ؟ فقال: «لأنها معافاة من الفتن ومن أرادها بسوء كبه الله على وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه». وعنها قال أبو بصرة الغفاري: «سلطان مصر سلطان الأرض كلها». هذا جزء من مصر، ليس فيما حفظه لها التاريخ من فضل فحسب، ولكن فيما يمثله أبناؤها اليوم من علم ومعرفة وطيبة وتسامح ومحبة، ورغم أنَّ طيبتهم تُستغل أحياناً لخدمة أهداف مرتزقة لا يمثلون إلا أنفسهم المريضة، إلا أنَّ لمصر كلمتها الأخيرة التي تنحاز إلى العقل، فشرفاء مصر أضعاف أضعاف من جعلوا من إعلام مصر بمجمله متهماً بالتحريض، على الرغم من قلتهم وتكرار ذات الوجوه والأسماء في قضايا مشبوهة بالكلية، ما يجعل مصداقيتهم على المحك أمام الشعب المصري أولاً وأخيراً.