بَُكلِّ ألم .. نقول إنّ "مصر" الحضارة .."مصر" التاريخ والجغرافيا لا تستحق كل هذا التشرذم والفوضى ، ولا ينبغي أن نرضى بالمشاركة - بأي صورة - في تحويل ملحمة حضارة سبعة آلاف عام إلى مسلسل عبثي تختصره الشاشات الصديقة والصفيقة في مشاهد تؤذي العين والقلب والضمير. نعم سيتجادل الناس زمنا طويلا حول جدليّة الخطأ والصواب في علاقة أهل "مصر" بالسلطة وهي قضيّة أزليّة .. وشأن "مصري قديم .. ولكن المصريين سيحسمون قريبا سؤالات الحاكم والمحكوم بتوافقات لا يجيدها غيرهم .. ولكن ما لا يُنسى هو عمق الوجع ممن ينكأ الجروح، ومرارة الحسرة من ألم التشفّي ، فكيف بحال وحسابات ناثري الملح الأسود على الدم المصري الحار .. ألا يتفكرون؟ ستظل "مصر" بالنسبة للعرب - بالرغم من كل شيء - شوكة ميزان مشاعرهم، ودرّة تاج جامعتهم، وعلى ضفتيْ نيلها الخالد سيبقى الإنسان العربي يناجي أحلامه .. وحين تتحدّث الدول والمجتمعات عن نفسها فان "مصر" ستظل أيقونة التاريخ وشاهده الحاضر وسط حضارة اسمنت المجتمع الإنساني المعاصر. عرفنا المصريين في كل مجال وخبرنا "مصر" البهيّة ولاّدة في كل اتجاه .. درسنا على أيدي أساتذة "مصر"، وزرعنا حقولنا بخبرات أهل "مصر"، وتعلمنا الشعر والأدب والفن على شعاع قاهرة المعز ... وحين انهزمت الأمة قدّم شعب وجيش "مصر" النصر الوحيد للأمة المنقسمة .. وحين تأخر العرب تقدّمت "مصر" بأبنائها فنالوا جوائز نوبل ... وما زالت آلاف الأسماء المصريّة المبدعة تقف على خط الابتكارات في حقول العلم والمعرفة .. في حين اكتفت مجتمعات عربيّة أخرى ببيع الشعارات وإخراج الحرائر إلى سوق النخاسة. سوى "مصر" والمصريين ...عرفنا دولا عربيّة كثيرة دفعنا عنها فواتير الاحتراب الداخلي.. سعياً للوحدة والنماء ... لكنهم ظلوا في غضبهم يبتزون وفي رضاهم ينافقون ..لا تجد لهم قدما في مدرسة .. ولا يدا في مصنع ... ولا علَمَاً في علم... تُجار مبادئ ومندوبو مصالح دوليّة وإقليميّة .. أيدينا بكرم تطعم أفواههم وأصابعهم بوقاحة في سواد عيوننا. لا يجوز – نعم لا يجوز- أن تُقدّم وتختزل صورة "مصر" العظيمة أمام الدنيا كلها في إطار مشاهد شبان غاضبين على كل شيء. مصر ليست صفحات "فيس بوك" وليست مادة إعلاميّة مثيرة على قناة فضائيّة، ولا هي بحزب ولا تيّار أفلا يعلم المشاركون في الزفّة الإعلاميّة أنّه إذا انكسر ظهر "مصر" تهاوت مصفوفات لا تملك مقومات دول وتهشّمت مجموعات لا تتضمن مكوّنات مجتمع؟! ستتجاوز مصر محنتها الداخليّة .. وهي دائما قامة تعلو فوق كل العابرين على أرضها .. حَكَمَها الفاطميون بمذهبهم قرابة قرنين ولم يتبق لهم إلا آثار بائدة ، وأتى الفرنسيون وغادروا ولم يعوج اللسان العربي ، وأتى الانجليز وغادروا ومازالوا يبحثون سر "مصر" العصيّة على كل غازٍ. "مصر" يا بهيّة .. ستلتئم جراحك فأنت بإذن الله محميّة. نقلا عن الرياض