من وجهة نظري كمتابع، أعتقد أن قرار المملكة بسحب سفيرها في مصر وإغلاق ممثلياتها هناك كان صائباً بل ومثلجاً للصدر. فهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها المملكة قيادة وشعباً لاستفزاز رخيص من قبل بعض العناصر الإعلامية المصرية الموتورة، التي تحرض بعض العامة والغوغاء للتهجم على المملكة من خلال قنوات إعلامية تفتقد للاحتراف أو الاحترام. هؤلاء الإعلاميون، هدفهم الأول أن يكونوا عمالقة من خلال ابتزاز المملكة حتى ولو كان على حساب المصالح العليا للدولة المصرية وشعبها. لقد كانت المملكة على الدوام تمارس دبلوماسية النفس الطويل وسياسة رأب الصدع أمام هذه التطاولات الظالمة للحفاظ على علاقاتها المميزة مع مصر الشقيقة شعباً وقيادة. إن القضية ليست قضية الجيزاوي، فما هو إلا مثير فتنة سيلقى جزاءه العادل إن شاء الله أمام القضاء السعودي، وإنما القضية الحقيقية هي قضية تطاول على سيادة المملكة ورموزها وشعبها لزرع الفتنة مع شقيقتها مصر. إن مجرد السماح لشرذمة قليلة أن يعبثوا بعلاقة مصر الحيوية مع أهم شقيق وصديق لها في المنطقة، التي وقفت مع مصر في الرخاء والشدة، لهو مؤشر خطير على انزلاق السياسة الخارجية المصرية في نفق مظلم قد يُنبئ عن جعل مستقبل مصر «نهاره أسود»، فالخشية أن تتحكم الغوغاء في سياسات مصر كما تحكمت عصابات المافيا في سياسات روسيا. ليس للعاقل العادل الذي ينظر لأحوال مصر الحالية إلا أن يتأسف لما وصلت إليه الأمور فيها. فمن كان يظن يوماً أن مجموعة إعلامية كمدحت شلبي وأحمد موسى سوف يكونون هم مقدمي برامجها الجماهيرية، وأشخاص كإبراهيم وحسام حسن، ومرتضى منصور هم نجوم الشاشة! أليس من قلة الذوق أن يخرج مثل هؤلاء على الهواء؟ ألا يجب أن يطل من الإعلام الذي هو النافذة على الجماهير شرفاء الكلمة دون غيرهم؟ منذ فترة وأنا أتابع بعض القنوات المصرية فوجدت أنها تبحث عن المثير دون المفيد، ليس لديهم أي رسالة إعلامية سوى تغذية صراع ديوك بين فريقين أو فردين كما حصل مع معركة مرتضى منصور وأحمد شوبير، أو تنمية عقلية المؤامرة لدى الجمهور المصري. فيأتي المشاهد البسيط ويظن أن هذه هي الحياة، صراع وشتيمة ومعارك وهمية. ويتصور أن هؤلاء المطلين عليهم هم المُثل العليا للمجتمع المصري. لا أفهم كيف استطاع أمثال هؤلاء أن يزيحوا أضواء الإعلام عن رجال أنجبتهم مصر وعرفهم كل العرب كالعقاد والمازني وطه حسين ومصطفى محمود والشيخ الشعراوي أي وهج حضاري أمست عليه مصر! إن ما يحصل هو تسرب إشعاعي مضر على المجتمع المصري ولحق أذاه العالم العربي. وهؤلاء الإعلاميون هم أنفسهم الذي كانوا وراء توتر العلاقات المصرية مع شقيقتها الجزائر على خلفية المنافسة بينهما على التأهل لكأس العالم الماضية. ولن أنسى نداء أحمد موسى في برنامج «القاهرة اليوم» لكل المصريين بأن يبحثوا عن أي جزائري مقيم في مصر وذبحه بعد فوز الجزائر على مصر في مباراة الخرطوم الشهيرة، بينما اكتفى عمرو أديب بقول: يا أحمد ما يصحش يا أحمد! وسؤالي، من هو أحمد الجيزاوي الذي ترفعون عقيرتكم من أجله لتشككوا في مصداقية أجهزة المملكة الأمنية وتجترحوا سيادتها الوطنية؟ هل هو أحد أعضاء المجلس العسكري مثلاً أو رمز علمي وفكري كالعالم أحمد زويل حتى نصدق أن في الأمر خطأ أو مؤامرة تحاك. للأسف أن الإعلام الطاغي على الساحة المصرية منقسم بين مشعلي فتنة أو مُسعري حرب، فهم يثبتون دائماً أنهم لا يستطيعون أن يعيشوا دون وجود مشكلة، فمن يعيش على مشكلة فإنه يعمل طوال الوقت أن تبقى كي يبقى هو على قيد الحياة. ليس لأنها بلدي، لكن والله لو أتى المسؤولون المصريون وتشفعوا بشكل دبلوماسي لشخص ما عند الحكومة السعودية لشُفِع لهم، ولكان خيراً من نداء عمرو أديب للمسؤولين السعوديين لإطلاق الجيزاوي. لقد قال أديب بكل صفاقة وقلة تهذيب للسفير السعودي بأن البعض يطالب بجلدك أمام السفارة إن جلد الجيزاوي! موقف المملكة غير المتوقع هذه المرة هو غضبة حليم، ويحمل في طياته رسائل تعليمية نافعة وذلك بجعل كل شخص في قلبه مرض على المملكة وأهلها أن لا يكون غراً ليصدق نبأ كل فاسق يتهجم عليها دون أن يندم على شكه وظنه السيئ. إن الطريق الوحيد لحل المشكلات مع السعودية لا يكون بالردح، والشتيمة وإطلاق الغوغاء، ولكن بالعقل والروية. شخصياً أرى أن هذا الموضوع أو غيره لن يجعلني يوماً أفكر بأن أتخلى عن عناصر الأخوة التي تربطني مع إخوتي المصريين من رابطة دم وإسلام ولغة وتاريخ واحد ومصير مشترك، وأستعيض عنه بمدح لإشباع الأنا وإرضاء الغرور عند بعضهم الذي قد يمارسه البعض معهم لدرء شرهم أو در عطفهم. فلمصر في نفسي وأحسب لدى الكثيرين حب لا يقبل المساومة أبداً. أتمنى أن تكون سقطة بعض قنوات الإعلام أمام المملكة تجمع قلوب المثقفين المصريين الحقيقيين لأن يعملوا بجد لكي يعيدوا مصر إلى مكانتها السابقة كمنارة للثقافة والإعلام في قلوب كل العرب والمسلمين.