عندما صدر كتاب «السياسة بين الحلال والحرام» للدكتور تركي الحمد قبل أكثر من عشر سنوات، أهديت نسخة منه لأحد الأصدقاء الذي وبعد قراءته للكتاب، صوّر عدداً من المقالات الموجودة فيه، وخاصة المقالات الأولى في الفصل الأول، بعد أن أزال العناوين من على الصفحات، وكذلك عنوان الكتاب وعنوان الفصل المكررين في أعلى كل صفحة، وبالتأكيد حذف اسم الكاتب، ثم عرض هذه المقالات على منتقدي ومعارضي تركي الحمد، فأبدوا ارتياحهم للكلام المكتوب وأثنوا على صاحبه، بعد سرد انطباعاتهم الجميلة والإيجابية عنه، وتثمين منطقه الرفيع، ثم تساءلوا بشوق عن هذا الكاتب الرائع: من يكون؟ فأجابهم بأنه «تركي الحمد». وهنا تحول الرضا إلى سخط، والارتياح إلى انزعاج، وبدأوا في سرد ما يقال عن الكاتب وشطحاته الكثيرة وتجديفاته الخطيرة التي يسمعونها من أساتذتهم، وعادوا ليقرأوا ذات المقالات ليقدموا أكثر من ملاحظة تخص «ما بين السطور»، حسب تعبيرهم، والقول بدسّ الكاتب للسم في العسل..! حينها تساءلت: أين الخلل هنا؟ في من؟ في المجتمع؟ أم في الثقافة التي يتلقاها عبر كل الأجهزة والمؤسسات؟.. وهي الأسئلة الممتدة في أيام العرب منذ القدم ولم تختف حتى هذه اللحظة!.. وقد حللها د.تركي وأجاد في توصيفها عندما قال لي: «ألم أقل لك إن القضية تكمن في الموقف من الرجل لا من القضية المطروحة من قبل الرجل. وعلى أية حال، أنا لا ألوم هؤلاء الطلبة، فيبدو أنهم طلبة من سياق حديثك، فهم مرددون لما يقوله أساتذتهم. ولا ألوم أساتذتهم جزئياً، لأنهم تثقفوا كلياً على مثل هذا العقل والعقلية. ولكني ألومهم، أي الأساتذة، على تحويلهم مؤسسات التعليم، التي يفترض فيها أنها تجلو عقل الطالب وتقدم له منهجاً للوصول إلى النتيجة، إلى مؤسسات تلقّن فيها الآراء والاتجاهات الأحادية. مشكلتنا هي أننا لا نعلّم مجتمعنا كيف يفكر باستقلالية، بل هناك من هم يفكرون بالنيابة عنه. مشكلتنا أننا أسرى أحكام مسبقة، تعتمد على ثقافة السماع وحكم الرجال، دون العودة إلى النصوص الأصلية وإحكام العقل المستقل فيها. المشكلة مشكلة مجتمع كامل، وثقافة كاملة، وليست مشكلة أفراد تشكلت عقولهم وفق هذه الطريقة التي لا يعرفون غيرها.. ورحم الله من قال أن العاقل هو من يعرف الرجال بالحق، والجاهل هو من يعرف الحق بالرجال». ترى لو كان تركي الحمد مكان محمد العريفي في قصتي سورة التفاح والخمر، كيف ستكون ردود الفعل؟ ثم تصوروا ماذا كانوا سيفعلون به؟